مقدمة
لا ريب فى ان الدعوة الاسلامية انما قمت على عقيدة التوحيد ، وتوحيد العقيدة ، وتوحيد الكلمة ، وتوحيد الانظمة والقواعد ، وتوحيد المجتمع. وتوحيد الحكومة ، وتوحيد المقاصد.
فعقيدة التوحيد هى المبنى الوحيد لجميع الفضائل. وهى الحجر الاساس للحرية. واشتراك الجميع فى الحقوق المدنية.
فلافضل لعربى على عجمي ، ولالابيض على اسود ، وكل الناس امام الحق والشرع سواء ، والناس كلهم من آدم ، وآدم من تراب ، و « انما المؤمنون اخوة » و « ان اكرمكم عندالله اتقيكم » و « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا » و « مثل المسلمين فى توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى » و « من اصبح ولايتهم بامور المسلمين فليس منهم ».
اصبح المسلمون بنعمة الله اخوانا معتصمين بحبل الله تعالى ، قلوبهم موتلفة ، واغراضهم واحدة ، اشداء على الكفار رحماء بينهم ، فتحوا الاصقاع والبلدان. وصاروا سادات الارض ، ودعاة الناس الى الحرية والانسانية. وقواد الاصلاح. والعدالة الاجتماعية.
هدموا قصور الجبابرة المستبدين ، وانقذوا الضعفاء من استعباد الاقوياء الظالمين ، واخرجوا الناس من ذل سلطان الطواغيت وعبادة
Shafi 5
العباد ، وادخلوهم فى عز سلطان الله وسلطان احكامه وعبادته.
هكذا كان المسلمون الذين اخلصوا دينهم لله ، ولو لا ما نجم فيهم من النفاق وحب الرياسة والحكومة. والمنافرات التى وقعت بينهم فى الامارة لما كان اليوم على الارض امة غير مسلمة.
ولكن فعلت فيهم السياسة فعلها الفاتك ففرقت كلمتهم ، وازالت وحدتهم ومجدهم ، فصاروا خصوما متباعدين بعد ما كانوا اخوانا متاحبين واشتغلوا بالحروب الداخلية عوضا عن دفع خصومهم ، واعدائهم ونسوا ما ذكروا به من الامر بالاتحاد ، والاخوة الدينية ، فصرنا ، فى بلادنا اذلة بعد ان كنا فى غير اوطاننا اعزة.
واكثر هذه المفاسد انما اتتنا من ارباب السياسات ، ورؤساء الحكومات الذين لم يكن لهم هم الا الاستيلاء على عباد الله ليجعلوهم خولا ومال الله دولا ، فاثاروا الفتن ، وقلبوا الاسلام رأسا على عقب ، وضيعوا السنن والاحكام ، وعطلوا الحدود ، واحيوا البدع وقضوا بالعبور والتهمة واستخدموا عبدة الدراهم والدنانير ، وامروهم بوضع الاحاديث لتأييد سياساتهم ، وفسروا القرآن ، وحملوا ظواهر السنة وفق آرائهم ، ومنعوا الناس عن الرجوع الى علماء اهل البيت الذين جعلهم النبى صلى الله عليه واله وسلم عدلا للقرآن وامر بالتمسك بهم (1) فراجع بعين البصيرة والانصاف كتب التاريخ و
Shafi 6
الحديث حتى تعرف اثر افاعيل السياسة فى تلك الفظائع.
ولا تنس ايضا اثر سياسات خصوم الاسلام من المسيحيين واليهود وغيرهما فى تأجيج نار الشحناء ، والبغضاء بين المسلمين فانهم لم يسلبوا سلطاننا. ولم يملكوا بلادنا الا بما اوقعوا بيننا من التفرق والتشتت ، وبما بذلوا من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة لبث التنافر والتباغض بين المسلمين. ومنعهم من الاتحاد. فهم لا يزالوان يضعون حواجز فى طريق تقارب الحكومات الاسلامية ، ويصرفونهم عن الدفاع عن وطنهم الاسلامى الكبير ليؤسسوا حكومات مستعمرة ، واوطانا مفتعلة ، من غير ان يعتبروها اجزاءا لوطننا الاسلامى ، ويطالبونهم بالدفاع عن حدود هذه الاوكان التى احدثها المستعمرون وذلك لتفريق كلمة المسلمين ، وتضاربهم فيما بينهم حتى تقف كل حكومة منهم فى وجه الاخرى.
تابى الرماح اذا اجتمعن تكسرا
واذا افترقن تكسرت آحادا
والعارفون باهداف الاستعمار يعلمون ان تجزئة الامة الاسلامية اعظم وسيلة تمسك بها المستعمرون للاحتفاظ بسلطتهم.
فيا اخى ما قيمة الوطن الذى افتعله الاجنبى لمصلحة نفسه ، واي امتياز جوهرى بين السودانى والمصرى. والاردنى والسورى. اليمانى
Shafi 7
والباكستانى. والعربى والعجمى ، بعد ان كانوا مسلمين خاضعين لسلطان احكام الاسلام ، واى رابطة اوثق من الروابط الاسلامية والاخوة الدينية.
المسلمون كلهم اولاد علات ابوهم واحد وهو الاسلام ، وامهاتهم شتى ، بلادهم منهم ولكن الاستعمار صيرهم اقواما متمايزة ، وارادان يكون فى كل بلد واقليم حكومة خاصة ، وشعائر تميز بعضها من بعض ، والله تعالى اراد ان يكون الجميع امة واحدة.
قال الله سبحانه : وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون (1).
وقال عز من قائل : ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم (2).
فالمسلم اخو المسلم سواء كان من اهل قطره ام لا ، المسلم الفلسطينى اخ للمسلم العراقى ، وللمسلم الايرانى ، وللمسلم الصينى ، وللمسلم الارجنتينى ، ووو.
جميع بلاد الاسلام وطن لكل مسلم ، والاسلام حكومته ، وقانونه وسياسته ، وعقيدته ، ودينه ، واما الحكومات العميلة التى لا يتصل بعضها ببعض بالصلات الاسلامية الوثيقة ، والتى جعلت شعارها القوميات الضيقة المحدودة ، وتشدقت بالدفاع عنها. ولم تكثرت باوضاع العالم الاسلامى ، وما يصيب المسلمين فى غير اقليمها من الضعف والاضطهاد ، فلا تخدم الااعداء الاسلام ما لم تجعل شعارها الوحيد الاحتفاظ بمصالح المسلمين وتحقيق اهداف الاسلام فى شرق الارض وغربها.
Shafi 8
فيا الله ، يا منزل القرآن ، ويا منزل سورة التوحيد وحد حكومتنا وخلص المسلمين من كل حكومة انفصالية اقليمية ، واجمعهم تحت راية حكومة اسلامية واحدة.
المسلمون شعارهم واحد ، ومقصدهم واحد ، وعقيدتهم واحدة لا يعين المسلم غير المسلم على اخيه المسلم ، ولا يرغب المسلم فى حكومة قامت على خيانة المسلمين ، ولا يذل نفسه عند الكفار لتعينوه حاكما على المسلمين.
المسلم لا يكتب ما يوجب اشتداد البغضاء والتنافر بين اخوانه ، ويمنعهم عن التقارب والتفاهم.
هذا شىء يسير من تأثير السياسات الغاشمة فى الامة الاسلامية ، ولم يبق منها فى هذا العصر ما يمنع من التوفيق بين المذاهب ، واتحاد المسلمين واجتماعهم تحت لواء الاسلام الا بعض العصبيات الجامدة التى ليس ورائها حقيقة ، ولا مصلحة للمسلمين ، والادعايات الاستعماريين «من الشيوعيين والرأسماليين» وقد قام بينهما الصراع فى استعمار ممالك المسلمين ، وكل منهم يريد ان يستعمر ، ولا يرى الامافيه مصلحة لنفسه ابعدهما الله عن المسلمين وممالكهم ، وخذل عمالهما ، وكل حكومة تأسست على رعاية منافعهما ، وموادة من حاد الله ورسوله.
هذا بلاء المسلمين فى عصرنا ، ومنه يتوجه الخطر عليهم ، وهذه السياسة هى التى لا تتوخى الافقر المسلم وجهله ، وهذه هى التى تشيع الفحشاء فى المسلمين ، وتبيح بيع الخمر والقمار والربا ، تدعو الى السفور ، وتروج الدعارة والتحلل ، وخروج النساء سافرات عاريات.
هذه السياسة هى التى تريد اشتغال المسلمين بالملاهى والمعازف ،
Shafi 9
وانصرافهم عن حقايق الاسلام والقرآن. وتروج البطالة ، ولا تحب اشتغال المسلمين بالعلوم النافعة ، والصنايع ، وتأسيس المعامل حتى لا يباع فى اسواقهم الامتاع المستعمرين.
واما السياسات العاملة لتفريق المسلمين فى القرون الاولى والوسطى فقد قضى عليها الزمان. فمضت العصور التى استعبد الناس فيها جبابرة الامويين والعباسيين ، ومضت الاعصار التى كان فيها تأليف الكتب وجوامع الحديث تحت مراقبة جواسيس الحكومة.
مضت العصور التى كان العلماء فيها تحت اضطهاد شديد ، والعمال والولاة يتقربون الى الخلفاء والامراء بقتل الابرياء ، ونفيهم عن اوطانهم وتعذيبهم فى السجون. وقطع ايديهم وارجلهم.
مضى الذين شجعوا العمل على التفرقة ، واختلاف الكلمة ، واشعال الحروب الداخلية.
مضت السياسات التى سلبت عن مثل النسائى حرية العقيدة ، والرأى وقتلته شرقتلة.
مضى عهد الجبابرة الذين صرفوا بيوت اموال المسلمين فى سبيل شهواتهم ، واتخاذ القينات والمعازف هواية لهم.
مضت العصور التى سبوا فيها على المنابر اعظم شخصية ظهرت فى الاسلام لا يريدون بسبه الاسب الرسول صلى الله عليه واله.
مضت الازمنة التى كان يرمى فيها بعض المسلمين بعضهم بالافتراء والبهتان وحتى الكفر والالحاد.
مضت العصور المظلمة التى عاشت فيها كل فرقة ، وطائفة من المسلمين كامة خاصة لا يهمها ما ينزل على غيرها من المصائب والشدائد
Shafi 10
ولم يكن بينهم اي تعاون اوادنى تجاوب.
نعم قد مضت تلك العصور ، وظهرت فى تاريخ الاسلام صحائف مشرقة مملوءة بنور الايمان ، والاخوة الاسلامية فقامت جماعة من المصلحين المجاهدين بالدعوة الى الاصلاح ، والاتحاد. فادركوا ان آخر هذا الدين لا يصلح الا بما صلح به اوله ، واعلنوا ان المستقبل للاسلام ، و « ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ».
فدعوا الى اتباع الكتاب والسنة. ورفض العصبيات : العصبية الشعوبية ، والعصبية المذهبية والقبيلية ، فادوا رسالتهم فى شرق البلاد الاسلامية وغربها ، ورزقهم الله توفيق فى توحيد الكلمة ، وجمع شمل الامة فاثرت اعمالهم الاصلاحية فى نفوس المسلمين اثرا جميلا ، ولبى دعوتهم جم غفير من الغيارى على الاسلام من العلماء الافذاذ وغيرهم.
فكان من ثمرات هذه الجهود الجبارة بل ومن احلى اثمارها تأسيس دار التقريب بين المذاهب الاسلامية فى القاهرة ، واصدار مجلة « رسالة الاسلام » العالمية التى جعلت شعارها قوله تعالى « ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون » وكتب فيها من كتاب المذاهب ودعاة الخير والاصلاح ، ورجالات الاسلام جماعة من المشايخ ، والاساتذة ، فحققت مساعيهم كثيرا من اهدافهم فى رفع التدابر. والتنافر.
وكان من فوائد هذه الجهودعرض عقائد كل من الفريقين على الاخر بعد ان لم يكن لاكثرهم معرفة بمذهب غيرهم فى الاصول والفروع وكان ها الجهل سببا لتكفير بعضهم بعضا فى الازمنة الماضية فعرفوا اتفاق الكل فى الاصول ، وان بعض الخلافات التى ادى اليها اجتهاد كل فريق لا يضربا لتقريب والتفاهم بعد اتفاق الجميع فى الاصول.
Shafi 11
وسيبزغ بفضل هذا الجهاد فجر وحدة المسلمين ، ويصبحون كما اصبح اسلافهم فى حياة النبى صلى الله عليه واله اخوانا ، ويدخل هذا الدين على ما دخل عليه الليل ، ولا تبقى قرية الانودى فيها بكلمة التوحيد.
نعم ان قوما الههم واحد ، وكتابهم واحد ، وقبلتهم واحدة ، وشعائر دينهم واحدة ، وقد جعلهم الله امة واحدة. اترى ليس الى دفع مشاجراتهم واختلافاتهم سبيل؟.
ان الاسلام يدعو الى وحدة الامم ، ووحدة الاقوام ، والطوائف فى مشارق الارض ومغاربها.
دين الاسلام دين التوحيد ، ودين خلع العصبيات ، ورفض ما يوجب الشحناء والعداوات ، دين يسير بابناء البشر نحو حكومة عادلة ومساوات انسانية كاملة ، ونظام عدل للاقتصاد والاجتماع ، ونظام للحكم والدستور ونظام للتربية والتعليم ، ونظام فى جميع نواحى الحياة ونظام للجموع وهم فيه سواء.
اترى ان هذا النظام الالهى لا يقدر على فصل الخصومات ، وحسم المنازعات بين ابنائه؟
اترى ان الاسلام لم تكن له اساليب وتعاليم صحيحة لتمكين الامة فى الوطن الاسلامى الكبير الذى يشمل جميع المسلمين ، احمرهم ، وابيضهم ، واسودهم؟
اترى انه لا يعرض على ابنائه دواء لدائهم؟
اترى انه لا يقدر على رفع المشاجرات التى احدثها عمال السياسات الغاشمة. وايدى الاستعمار الظالمة تلك المشاجرات التى يعود كل فائدتها لاعدائنا؟
Shafi 12
اترى ان الله حرم على هذه الامة ان يجلسوا على صعيد واحد ويعيشوا فى ظل حكومة واحدة فاقفل عليهم باب التفاهم والتجاوب؟
هذا هو القنوط من رحمة الله. واليأس من روحه ، وكل دائنا يرجع الى ذلك.
ودواؤه الثقة بالله ، والايمان بان النصر من عنده. وان جند الله هم الغالبون ، وان العالم سيلجأ الى الاسلام. وانه هو الدافع الفذ للمشاكل التى احاطت بالجامعة الانسانية ، وان المسلمين هم الذين يجب عليهم ان يؤدوا رسالة الاسلام الى غيرهم وقد آن وقت ذلك وان لم يأن فعن قريب سيجىء انشاء الله تعالى.
فاذا لا عجب ان قامت فى المسلمين نهضات للاصلاح ، ورفع التفرقة وجمع الشمل ، واعادة كيانهم المجيد ، ومجدهم العزيز.
ونسئل الله تعالى الاستقامة والصبر للمصلحين ، ولمن يوازرهم على توحيد كلمة المسلمين انه لما يشاء قدير.
ربنا افرغ علينا صبرا ، وثبت اقدامنا وانصرنا
على القوم الكافرين
Shafi 13
الخطوط العريضة
المسلمون كما اسلفنا الايعاز اليه فى حاجة ماسة الى الاتحاد ورفض ما اوجب الشحناء بينهم فى الاجيال الماضية. واذا كانت بينهم بعض الخلافات فيجب عليهم ان لا يجعلوها سببا للتنازع والتخاصم. قال الله تعالى :
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم (1)
سيما فى هذا العصر الذى تداعى علينا الامم كما تداعى الاكلة على القصاع (2)
واولى الناس برعاية هذا الواجب هم الكتاب والمصنفون فانهم ادلاء العامة ، وهداة الحركات الفكرية ، فكما تكون لبعض المقالات والمؤلفات آثار قيمة لجمع الشمل ، وعز الاسلام يكون لبعضها الاخر من مصارع السوء ، والاثار المخزية ما لا يمكن دفعها الا بعد مجاهدات ومجاهدات ، فيجب على المؤلفين الاحتراز عما يوجب اثارة الضغائن المدفونة
Shafi 14
كما انه يجب عليهم التجنب عن الافتراء والبهتان ، ورعاية الامانة ، والصدق ، ونصيحة الامة.
فان اراد كاتب ان يكتب حول مذهب ما كلمة او كتابا فالواجب عليه الرجوع الى مصنفات علماء هذا المذهب فى العقايد والفقه ، وملاحظة آراء اكابرهم ، والنظرات المشهورة بين اهل هذا المذهب ، وترك الآراء الشاذة المتروكة بينهم ، وان لا يأخذ البرىء منهم بجرم المسىء ولا ينسب الى الجميع ما ذهب اليه بعض من ابتلى بالشذوذ فى الرأى فانه ليس من مذهب الا ويوجد فيه من له بعض الآراء الشاذة.
ولعمر الحق لوراعى الكتاب ، والمؤلفون هذا الامر حق رعايته لذهبوا بكثير من اسباب المنازعات ، والمخالفات ، ولما وقعت بين المسلمين هذه المنافرات ، ولما بهت المسلم اخاه المسلم بالكفر والشرك. وهذا ادب يجب على كل كاتب ان يرعاه وان لم يكن مسلما.
اذا طهرت الصحف والاقلام من دنس الاغراض والعصبيات وانتزعت من ايدى الجهال وغير الخبراء ادى ذلك الى تخلص نفوس العامة من الاحقاد والضغائن ومن اساءة الظن بالابرياء.
هذا. ونحن لا نخفى اسفنا الشديد على ما يصدر عن بعض الكتاب مما لا ينتفع به الا اعداؤنا ، وليست فيه اية فائدة الا الضعف والفشل. وخدمة الاستعمار الغاشم مضافا الى ما فى كلماتهم من الافتراء والبهتان.
نحن نحسن الظن باخواننا المسلمين ، ولا نحب ان يصدر عن مسلم بصير بعقايد اهل السنة والشيعة وآرائهم مثل هذه المقالات التافهة ، ونرجو ان لا يكون بين المسلمين من يتعمد ذلك ، ونكره ان يكون بين الامة من يخون الاسلام بلسانه ، وقلمه ، ولا يشعر بضرره على قومه وامته.
Shafi 15
وربما عذرنا بعض الكتاب الذين يكتبون فى الاجيال الماضية عن الشيعة واهل السنة ، ويسندون اليهم المقالات المكذوبة عليهم حيث لم يكن العثور على كتب الفريقين ، وآرائهم فى وسع كل كاتب ، واما فى هذا العصر الذى اصبح كتب الفريقين فى متناول جميع الباحثين ويمكن استعلام عقيدة كل طائفة من علمائها بكل الوسائل والسبل فلا عذر لمن يرمى اخاه بما ليس فيه ، ويتهمه بمجرد سوء الظن ، وقد قال الله تعالى :
يا ايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم (1)
ومن الكتب التى نسبت الى الشيعة المخاريق العجيبة ، وسلكت مسلك انصار الامويين وغيرهم من اعداء عترة النبى صلى الله عليه واله كتاب سماه مؤلفه [الخطوط العريضة للاسس التى قام عليها دين الشيعة الامامية الاثنى عشرية] فبالغ فى البهتان ، والافتراء وتجريح عواطف الشيعة واهل السنة. وفيه من الكذب الظاهر والفحش البين ، والخروج عن ادب البحث. والتنقيب ما لايصدر الا عن جاهل بحث او من كان فى قلبه مرض النفاق ، واراد تفرقة المسلمين ، وافساد ذات بينهم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله فيما رواه الترمذى واحمد وابو داود : (2)
ألا أخبركم بافضل من درجة الصيام ، والصلوة ، والصدقة اصلاح ذات البين فان فساد ذات البين هو الخالقة.
وفى خبر من طرقنا انه صلى الله عليه واله قال :
صلاح ذات البين افضل من عامة الصلاة. والصيام (3).
واخرج الطبرانى عنه صلى الله عليه واله وسلم : من ذكر امرء بما ليس فيه ليعيبه
Shafi 16
حسبه الله فى نار جهنم حتى يأتى بنفاد ما قال (1).
فما ظنك يا اخى بمن اشاع على طائفة من المسلمين الذين آمنوا بالله ورسوله ، وكتابه ، وباليوم الاخر ، ويقيمون الصلوة ، ويؤتون الزكوة ، ويصومون ، ويحجون ويحرمون ما حرم الله فى كتابه وسنة نبيه ، ويحلون ما احل الله ، ورسوله ، ماهم منه ابرياء.
وقد طعن فى هذا الكتاب على ائمة المذهب ، ومفاخر الاسلام ودافع عن سيرة يزيد بن معاوية ، واظهر انحرافه عن اميرالمؤمنين على عليه السلام الذى لا يحبه الا مؤمن ، ولا يبغضه الا منافق ليهيج الشيعة ، ويستنهضهم على اهل السنة حتى يعارضوا ذلك بالمثل فيتحقق امله ، وامل اعداء الدين من المستعمرين وغيرهم باثارة خصومة حادة بين المسلمين فان الاستعمار لا يحب ان يرى الشيعى والسنى يغزوانه فى صف واحد ، ولا يريد اتفاقهما فى الدفاع عن الصهيونية ولا يريد اتحاد المسلمين فى احياء مجدهم. واسترجاع تراثهم الاسلامى واستعادة البلاد. والاراضى المغتصبة منهم :
الاستعمار يريد الشقاق والنفاق حتى يصفو له الجو ، وتتحقق اهدافه. ومحب الدين الخطيب كاتب الخطوط العريضة. ومن يسلك سبيله يمهد له الوصول الى مطامعه الخبيثة من حيث يعلم او لا يعلم.
ولكن لا يبلغ الاستعمار آماله انشاء الله تعالى. وسينجح المصلحون ، ولا تهن عزائمهم بهذه الكلمات فانهم اعلم بمقالات ارباب المذاهب وآرائهم. والتقريب فكرة اصلاحية كلما مر عليها الزمان يزداد المؤمنون بها ، وان يرى محب الدين استحالتها لانه لم يفهم اولم يشأ ان يفهم معناها
Shafi 17
وبعد ذلك كله فنحن نكره ان نتكلم فى نية محب الدين ، وانه اراد اثارة الفتن ، وخدمة اعداء الاسلام ، واعانتهم على هدم كيان المسلمين فالله هو العالم بالضمائر ، فلا نريد ان نسير معه فى مقالاته ، ونوضح اخطاءه وعثراته ، بل نريد تخيص اذهان بعض اخواننا من اهل السنة. وتطهيرها من هذه التهم والافتراءات ، وجعلنا كتاب الخطوط العريضة مورد البحث والنقد لانه بالغ فى التهجم على الشيعة واتى بكل ما اراد من الكذب والبهتان ولم نعارضه بالمثل ف « انما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله واولئك هم الكاذبون » (1) بل لم نتعرض لما عند اهل السنة من آراء شاذة فى الفروع والاصول ، وما نسب اهل الاعتزال الى الاشاعرة والاشاعرة الى المعتزلة. واتباع بعض المذاهب الى غيرهم وما حدث بينهم من المجادلات الكلامية فى الكلام. وخلق القرآن ، وغيره. وتكفير بعضهم بعضا الا ما دعت الحاجة اليه لتوضيح المراد. وتحقيق البحث والتنقيب فانا لا نرى فائدة فى نقل هذه المناقشات الاضعف المسلمين وتشويه منظر الدين ونأخذ بما ادبنا الله تعالى به فقال سبحانه.
ولا تستوى الحسنة ، ولا السيئة ادفع بالتى هى احسن فاذا الذى بينك وبينه عداوة كانه ولى حميم (2).
ونقول :
ربنا اغفر لنا ، ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ، ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا انك رؤف رحيم (3).
Shafi 18
كيف تمت فكرة التقريب
من سبرا حوال المجتمع الاسلامى فى أمسه ويومه ، ووقف على الصراع الطائفى الذى اردى المسلمين فى مثل هذا الضعف والانحلال. والسقوط فى احضان الاستعمار وجدان سبب هذا التنافر والتشاجر جله اوكله يرجع الى سياسات غابرة انتهت وكانت من نتايجها ابادة اربابها ويدرك كما ادرك المصلحون ، ودعاة الوحدة ، والتقارب ان الاسلام لن تعود اليه دولته الذاهبة الا اذا عادت الى المسلمين وحدتهم فى ظل الاسلام.
والواقع : ان من اعظم الاسباب فى نشوب هذه المعارك المذهبية انما هو جهل كل طائفة بآراء الطائفة الاخرى. وان التقارب بين المذاهب الاسلامية امر ممكن اذا ما قدر للمسلمين ان يعيشوا فى افق اعلى وانزه مما عاشوه فى بعض اجيالهم الماضية.
بل ان ذلك ضرورة حتمية لمصيرهم ، ومستقبلهم وليس ذلك من المسنحيل كما زعمه الخطيب ، بل يمكن ان يعيش المسلمون فى محبة ووئام كما عاش خيار الصحابة فى صدر الاسلام ممع اختلافهم فى الراى والفتيا. حيث كانوا اخوة احباء تتميز اخوتهم بالتفادى والايثار ولم يفض اختلافهم
Shafi 19
فى الراى الى جفوة او بغضاء او تدابر او تقاطع او شحناء.
نعم ادرك المصلحون ان المجتمع الاسلامى فى عصرنا هذا لا يقبل تكفير المسلم المؤمن بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله بمجرد الزعوم والافترائات والخلافات الفرعية (1).
فليس اذا فكرة التقريب فكرة شيعية او فكرة سنية فضلا عن ان تكون وليدة فكرة حكومة شيعية او سنية ولم تؤسس دار التقريب للتقريب بين السنيين والشيعيين فقط بل تاسست للتقريب بين جميع المذاهب الاسلامي ، وقد ساهم فى تأسيسها من رجال العلم والدين افذاذ لايشك فى صدق نياتهم.
واما ما ذكر من انفاق دولة شيعية على دار التقريب فنحيل الفاحص عن ذلك الى اقطاب جمعية التقريب السنيين وغيرهم.
ولو سلم كون التقريب فكرة شيعية ، وصدر من مبدء شيعى فلماذا لا يقبله السنى لانه فكرة شيعية ما الذى يمنع من التفكر والتامل حول آراء الطرفين.
وماذا يخسر السنى اذا ما عرض له الشيعى آراءه وعقائده لئلايسىء اليه الظن ولا يتهمه بالفسق او الكفر.
ان الشيعى لا يرى بذلك باسا ولا يحس ضررا من ان يدرس عقائد اهل السنة ومذاهبهم فهو حر فى دراسة جميع العقائد يقرأ كتب اهل السنة وصحفهم ومجلاتهم.
Shafi 20
فهذه مكتبات قم ، والنجف وطهران وجبل عامل وغيرها من البلاد والعواصم الشيعية ، والجامعات العلمية مملوة من كتب السنيين القدماء ومن الصحاح ، وجوامع الحديث ، والتفاسير ، والتواريخ يدرسونها فى مدارسهم ، ومن كتب المتأخرين ، والمعاصرين امثال الشيخ محمد عبده ، ومحمد فريد وجدى. والعقاد ، ورشيد رضا ، وهيكل ، والطنطاوى واحمد امين ، وسيد قطب ، ومحمد قطب ، والندوى ، والمودودى وعفيف طباره ومحمد الغزالى ، وعبدالرزاق نوفل ، والشيخ منصور على ناصيف مؤلف « التاج الجامع للاصول » والشيخ المراغى والشيخ نديم الجسر وغيرهم.
وهذه محاضرات الشيعة فى الفقه يدرسو فيها اقوال جميع ائمة الفقه ، ورؤساء المذاهب ، ويذكرون خلافاتهم ، ويبحثون فى ادلة الاقوال ويأخذون بما هو اوفق بالكتاب والسنة باجتهادهم من غير تعصب لرأى وكانت هذه سيرتهم من القديم فراجع كتاب الخلاف للشيخ الامام ابى جعفر محمد بن الحسن الطوسى ، والتذكرة للعلامة الحلى وغيرهما ، لم يمنع احد من العلماء تلامذته ، وطلبة العلوم من مراجعة كتب اهل السنة ، ولا ينكر احد على احد شراءه وبيعه كتب اهل السنة فى العقايد والحديث والكلام ولا يرون بذلك كله باسا ، بل يستحسنونه ويستحثون عليه.
Shafi 21
فرية الخطيب على علماء النجف
علماء النجف
من اوضح ما يظهر منه سوء نية الخطيب وانه لم يرد الا اثارة الفتن والشقاق والخلاف بين المسلمين بافتراءاته النابية اسناد نشر الكتاب المذكور الى علماء النجف وحكايته عنهم انهم قالوا فيه عن عمر بن الخطاب انه كان ...
ولو اسند نشره الى ناشر معين وذكر اسمه ، واسم مؤلفه لكان له عذر فى نقلها. ولكنه اسند نشره كذبا وبهتانا الى علماء النجف يعنى به جميعهم ، وهم من احوط الناس على رعاية حرمة الاسلام والمسلمين لا تجرى اقلامهم والسنتهم الطيبة النزيهة الا فى الاصلاح بين المسلمين وتوحيد كلمتهم ، ودعوتهم ، وارشادهم الى الخير. ورفض البغضاء والشحناء فهم فى طليعة المصلحين المجاهدين لتحقيق الوحدة الاسلامية ، ونبذ ما يوجب الخلاف والشقاق.
اذا فلا شك انه لم يرد بما حكاه عنهم الا تجريح العواطف وتهييج الفتنة ، وافتراق كلمة المسلمين او النيل من الخليفة بنشر هذه النسبة
Shafi 22
اليه ، وتسجيل نقلها عن علماء النجف وفيهم من رجالات الدين والعلم والمعرفة بتواريخ الاسلام ، وتراجم الرجال من آرائه واقواله فى غاية الاعتبار والاعتماد ، فكانه اراد بتسجيل ما حكاه على علماء النجف تسجيل اصل النسبة على الخليفة واشاعتها ، فان الكتاب الذى ذكر يه هذه النسبة « ان كان الخطيب صادقا فيما حكاه » ليس معروفا وفى متناول ايدى الشيعة واهل السنة فنحن لم نقف عليه ولاعلى اسم كاتبه بعد مع الفحص الكثير فى المكتبات ، ولم نطلع على ما فيه الا بحكاية الخطيب فى كتابه الذى نشره فى ارجاء العالم الاسلامى وجعله فى متناول ايدى اعداء الاسلام والمتتبعين لعورات المسلمين وكان الواجب على الحكومات السنية مؤاخذة الخطيب ومصادرة كتابه باشاعته هذه النسبة وحكايته فى كتاب يقرءه المسلمون وغيرهم.
وعلى كل حال لا حاجة لنا بتبرئة علماء النجف عما حكى عنهم فان شأنهم الرفيع اكبر وانبل من ذكر الامور الشائكة فى كتبهم فهم معتمدون فى مقالاتهم وآرائهم فى المذهب والفقه والعلوم الاسلامية على اقوى الادلة العلمية
هذا ، ولو فرضنا ذكر شىء من هذا القبيل فى نقل لا يعتمد عليه. أيجوز له ان ينسب ذلك الى الشيعة!؟ والا فيجوز ان ينسب الى السنيين عقايد النواصب الذين سبوا اميرالمؤمنين على بن ابيطالب عليه السلام واحدثوا فى الاسلام ما احدثوا. وقتلوا سبطى رسول الله وريحانتيه صلى الله عليه واله وسلم ،
والعجب ان الخطيب تارة يقول ان التقية عند الشيعة عقيدة دينية تبيح لهم التظاهر بغير ما يبطنون ، واخرى يقول بتظاهرهم بامر لو كان التقية من دينهم لكان الواجب عليهم ان يستروه لا ان يذيعوه ويكتبوه ، وينشروه حتى يقرأه كل معاضد ومعاند ، فتامل ما فى كلماته من التهافت والتناقض ومجانبة الحق والانصاف عصمنا الله تعالى منها.
Shafi 23
الاصول قبل الفروع
ان كان مراده من الاصول تلك التى قامت عليها دعوة الاسلام فلا اختلاف فيها بين المسلمين من الشيعيين والسنيين ، لا اختلاف بينهم فى ان الله واحد احد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد وليس كمثله شىء ، ولا فى انه عليم قدير سميع بصير له الاسماء الحسنى.
ولا فى نبوة انبياء السلف ، ولا فى نبوة خاتم الانبياء وسيدهم محمد بن عبدالله صلى الله عليه واله وسلم ، ولا فى ان القرآن كتاب الله الذى انزل اليه ليخرج
Shafi 24