في غرة من بياض الشيب أضواء
والثاني قوله:
وكل أديب أي سيدعى إلى الردى
من الأدب لا أن الفتى يتأدب
فانظر إليه في البيت الأول كيف استعمل لفظ «ألويت»، ثم فسره مبينا أنه لم يشتق من اللوى الذي يكون من الرمل، وإنما اشتق من ألوى النبات إذا تغير وذوي.
وانظر إليه في البيت الثاني كيف استعمل لفظ الأديب الذي يمكن أن يتوهم اشتقاقه من الأدب بفتح الدال، ثم فسره مبينا أنه لم يشتق من هذا اللفظ، وإنما اشتق من الأدب بسكون الدال، وهو الدعاء إلى الطعام.
ويذكر هذا البيت بقوله في قصيدة أخرى:
وما أدب الأقوام في كل بلدة
إلى المين إلا معشر أدباء
واللون الثالث من ألوان هذا العبث أهم من هذين النوعين، وأجل خطرا؛ لأن أبا العلاء لا يقصد به إلى مجرد التظرف الفني، ولا إلى مجرد التفكه، ولا إلى الجمال الفني الخالص وحده، وإنما يقصد به إلى هذا كله، وإلى إظهار البراعة والتفوق اللغوي ما في ذلك شك. وهو نوع من الجناس ظريف، يلتزم فيه أبو العلاء لفظ القافية نفسه في أول البيت أو في وسطه بحيث يتكرر هذا اللفظ في البيت الواحد مرتين، ويدل على معنيين مختلفين، فيجمع بين الجناس وبين ما يسميه أصحاب البديع رد الصدر على العجز. وربما اكتفى أبو العلاء أحيانا بالجناس المقارب الذي لا تتشابه فيه الحروف كلها في الكلمتين، وإنما يتشابه أكثرها. ولو أن أبا العلاء عمد إلى هذا الجناس في البيت بين حين وحين لكان هذا منه مستظرفا مستحبا كشأنه في هذا العبث اللغوي، أو في ذلك العبث النحوي، ولكنه يلتزمه في القصيدة كلها أو في أكثرها. والغريب أنه إذا عمد إلى هذا النوع من الجناس في قصيدة طولها، وتجاوز بها قدر المألوف من القصائد والمقطوعات في اللزوميات مبالغة في إظهار براعته وتفوقه، وسيطرته على اللغة. وكيف لا وهو يلتزم ما لا يلزم مرتين، مرة في أول البيت ومرة في آخره، ويلتزمه في القصيدة الطويلة المسرفة في الطول!
Shafi da ba'a sani ba