المفتين لم يستحق من اتبعهم الرضوان إلا أن يكون عاميا، فأما العلماء فلا يجوز لهم اتباعهم.
فإن قيل: اتباعهم هو أن يقول ما قالوا بالدليل، والدليل قوله: (بِإِحْسَانٍ)، ومن قلدهم لم يتبعهم بإحسان، لأنه لو كان مطلق الاتباع محمودا لم يفرق، وأيضا فيجوز أن يراد به اتباعهم في أصول الدين، وقوله: (بِإِحْسَانٍ) أي بالتزام الفرائض واجتناب المحارم، ويكون المقصود أن السابقين قد وجب لهم الرضوان وإن أساؤوا; لقوله: "وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" ١ وأيضا فالثناء على من اتبعهم كلهم، وذلك اتباعهم فيما أجمعوا عليه، وأيضا فالثناء على من اتبعهم لا يقتضي وجوبه وإنما يدل على جواز تقليدهم، وذلك دليل على جواز تقليد العالم كما هو مذهب طائفة، أو الأعلم كقول أخرى، أما الدليل على وجوب اتباعهم فليس في الآية ما يقتضيه.
فالجواب من وجوه:
أحدها: أن الاتباع لا يستلزم الاجتهاد لوجوه:
أحدها: أن الاتباع المأمور به في القرآن كقوله: ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ ٢ ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ ٣ ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ٤ ونحوه لا يتوقف على الاستدلال على صحة القول مع الاستغناء عن القائل.
_________
١ متفق عليه عن علي ﵁.
٢ سورة آل عمران آية: ٣١.
٣ سورة الأعراف آية: ١٥٨.
٤ سورة النساء آية: ١١٥.
1 / 7