Muhawarar Kimiyya da Zamantakewa
مباحث علمية واجتماعية
Nau'ikan
ولكن أحرجت هذه الضجة أيضا صدور الذين يعتقدون أن الارتقاء إنما هو بتربية العقول، ومزاولة الشئون الاجتماعية باستقلال أفكار، وأن الديانات كلها سواء من جهة أنها لا تضر بالاجتماع إذا كانت عقول أهلها مرتقية، كما أنها لا تنفع فيه إذا كانت عقول جماعاتها متدينة، وشاهدهم على ذلك أن أهل دين واحد ارتقوا يوما وانحطوا يوما، والاعتقاد لم يفارق قلوبهم، والعبادة لم تبرح معابدهم وبيوتهم.
هؤلاء قوم يحسنون الظن بالديانات، ولا يرونها عوائق عن التقدم والتمدن، وإنما يرون أن تشيع أهل كل دين منها وتحاملهم على دين الآخرين قد أحدث ويحدث فظائع من نتائج البغضاء والنفور، فيودون لو ينتهي هذا التحامل والتجادل في الدين، ويقولون إذا لم يمكن قطع حبال هذا الجدل فلا ينبغي أن تبقى منصوبة إلا بأيدي فريق مخصوص لا يمد بشيء البتة من القوى المادية، فتتنازل الأقوال والأقوال وتنتهي على لا شيء الأحوال؛ لأنه لم يعهد أن الجدال أفاد في تغيير المذاهب، وإنما تغيرها أسباب أخرى لسنا في صدد تفصيلها.
ومن عرف الدكتور شبلي شميل كان ذلك حسبه أن يعرف مقصده من المقالة التي كتبها في هذا الصدد، ونشرها في المؤيد؛ أي يعرف أنه يرمي إلى تفنيد الجدل والحث على خير العمل، أما من لم يعرفه فربما ظن أنه مسيحي كتب ينتصر لدينه بطريقة حبية. •••
كان من جملة الذين لم يعرفوا هذا الحكيم ولا قصده حضرة الكاتب محمد كامل السويفي، الذي نشر يوم الخميس ردا على الدكتور فتذكرنا إذ قرأناه أن كرومر بتصديه للمفاضلة بين الدينين إنما كان موقد النار، وأن قومنا كلما خمدت هذه النار زادوها سعيرا. فإن بعض الذين يكتبون الردود في هذا الموضوع يقابلون كرومر بمثل ما صنع، وينسون أنه ليس من الضروري إذا أخطأ سليم مثلا بشتم ملة جرجس أن يخطئ جرجس بشتم ملة سليم، وينسون أن للدين المسيحي أهلا هم إخواننا في لساننا ووطننا، تغيظهم لوائح التحامل على دينهم وروائح تفضيل غيره عليه.
ولولا أن كان قبيحا عدم وجود من يدعو بيننا إلى أسباب الوئام، وينكر علي أسباب الخصام بقدر الإمكان؛ لما وجدنا من اللائق أن نأتي ما ننكره من الخوض والمماحكة في هذه المسائل، ولكن تلك الضرورة من الدعوة إلى الوئام هي التي حملتنا على تذكير حضرة الأديب كامل السويفي ببعض كلمات. •••
رأيت في كلام حضرته مواضع كثيرة جديرة بالأخذ والرد معه، ولكن ليس هذا من مقاصدنا، ولا ندخل فيه، وإنما نقتصر هنا على سبعة مواضع قد رأينا التذكير فيها أوجب، والحاجة إلى الإيضاح فيها أمس وأدعى. جاء في عرض كلام الدكتور ما يفيد أن الدين المسيحي دين توحيد كالدين الإسلامي، فأنكر صاحب الرد وقال: «إن دين النصارى دين تعديد لا دين توحيد.» فاعلم أيها الأديب أن النصراني يبتدئ عقيدته بقوله: «أومن بإله واحد ... إلخ» فالإله واحد عندهم كما هو عندنا. وأما ما نسمعه في صفات المسيح ابن مريم، فإنها فلسفة لا نعرفها نحن ولا يعرفونها هم، وقد حملهم عليها بعض النصوص التي هي عندهم مقدسة، وكل دين لا يخلو من أمور تحمل أهله على فلسفة كان في غنى عنها لولاها.
وقد جهل أكثر كتاب المسلمين عقيدة النصارى في الإله الواحد الذي ليس بمادة، كما جهل أكثر كتاب النصارى عقيدة المسلمين، ولكن لظهور الصعوبة في فلسفة العقيدة النصرانية يقول النصارى: «إن في الدين شيئا هو فوق العقل.» ويعدون ذلك من مفاخرهم في تدينهم، فيظن المسلم أنهم يريدون بقولهم فوق العقل أنه غير معقول. وليس هذا هو المراد، بل المراد أن العقل لا يكاد يدركه. وكان مثل هذا القول شائعا ومعروفا عند المسلمين أيضا، ولكن بعض كتابهم في هذه الأيام الجديدة قاموا ينادون بأن الدين الإسلامي وحده دين العقل، ويفسرون بأن العقل يدرك كل شيء فيه. ولسنا ندري كيف يدرك العقل أمور العالم الغيبي، مثل أنهار اللبن والعسل التي في الجنة، ومثل عالم الأرواح المجردة وعالم الملائكة، ولا نعرف كيف يستطيع أولئك العقلاء تفسير النار التي رآها موسى
فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ، أي عقل يدرك حقيقة هذا النداء الذي سمعه موسى فخر صعقا؟ وأي عقل يدرك حقيقة نفخ الله في فرج مريم كما جاء في القرآن المجيد بنص هذه الآية:
ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا .
النصراني يقول الإله واحد كما يقول المسلم، ثم يقول النصراني إن عيسى كلمة الله وروح الله، وهكذا يقول المسلم أيضا، والنصراني يقول إن مريم عذراء حملت بعيسى الذي هو روح الله وكلمة الله من غير أن يمسها بشر، وهكذا يقول المسلم أيضا. فأنا أسأل إخواني المسلمين أن يبينوا لي الفرق أولا بين هذه التعابير، وأن يفهموها جيدا قبل أن يجادلوا النصارى على التعبير بالآب والابن والروح القدس، وقبل أن يسألوا عن الفلسفة التي تبين أن هذه الكلمات الثلاث تدل على حقيقة واحدة ظهرت في ثلاثة مظاهر، وما نار موسى عن القاري ببعيد.
Shafi da ba'a sani ba