Muhawarar Kimiyya da Zamantakewa
مباحث علمية واجتماعية
Nau'ikan
ومن المقرر في العلم اليوم أن كل حي مهما كان حقيرا لا يولد إلا من جرثومة متضمنة فيها كل أجزاء هذا الحي، وهذه الجرثومة نفسها صادرة من حي مثله. والخلاف بين العلماء والفلاسفة في أصل الجرثومة الأولى هل تولدت في الأرض نفسها، ومن مادتها وبقوة من قواها أم كيف؟ فأصحاب رأي التولد الذاتي يذهبون إلى أن الأحياء جميعها نشأت في عالمنا هذا من نفس مادته وبقواه الخاصة، وقد كانت في الأصل مادة حية بسيطة جدا، ثم تكيفت وتحولت على مر السنين والعصور المتطاولة حتى رست على ما هي عليه اليوم. وخالفهم أصحاب مذهب الجراثيم الذين ينكرون التولد الذاتي بناء على ما يرونه اليوم من أن كل حي لا يولد إلى من حي مثله. ولما سئلوا عن أصل هذه الجراثيم ذهبوا فيها مذاهب، ومن أغرب ما ذهبوا إليه أنها أتت إلى عالمنا من عالم الكواكب. وهو قول لو تدبرناه لرأيناه لا ينفي التولد الذاتي، وإنما يبعد حله ؛ لأنها سواء تولدت في أرضنا أو أتتها من عالم آخر، فلا بد أن تكون قد تولدت أولا في نفس هذا العالم بالنشوء، ولا بد أن تكون مادة ذلك العالم الذي تولدت فيه أولا وقواه شبيهة بمادة عالمنا وقواه أيضا؛ لكي تستطيع أن تعيش فيه.
جاء في كتابنا الحقيقة ما نصه: «على أن بعض الفلاسفة يذهبون إلى أن الأرض التي كانت في البدء قاحلة وغير مسكونة، إنما عرضت فيها الحياة مما أتاها من الجراثيم من بعض الكواكب المصطدمة بها، وهو قول محتمل، إلا أنه غير مقنع، ويظهر لنا أنه لا يحل المسألة وإنما يزيدها ارتباكا؛ فإن لم تكن الحياة قد ظهرت على الأرض ذاتيا بفعل أحوال طبيعية وكيماوية، فيلزم أن تكون قد ظهرت ابتداء على أحد كواكب نظامنا الشمسي. وخصوم التولد الذاتي الذين يتعلقون بأهداب هذا التعليل كالملجأ الأخير لهم إنما يبعدون حل هذه المسألة، ولا يأتون فيها بتعليل شاف. ولا يخفى أن الحل الطيفي الذي استطعنا بواسطته أن نعلم تركيب الكواكب الكيماوي أرانا أن هذه الكواكب متكونة من نفس المواد المتكون منها سيارنا؛ فالصوديوم والمغنيسيوم والهدروجين والأكسيجين والكربون والكلسيوم والحديد والتلوريوم والبزموت والزئبق ... إلخ موجودة هناك كما هي موجودة هنا. وقد علم كذلك من فحص الحجار الجوية أن هذه الأجسام تتحد هناك كما تتحد في أرضنا. فلا بد، إذن، من أن تكون الأحياء الأول قد تكونت فيها من مواد جامدة شبيهة بموادنا. فوالحالة هذه ما الفائدة من الزعم بأن أرضنا إنما أتتها الحياة من كوكب اصطدم بها في مروره في الفضاء؟ إذ لا بد من الإقرار في كل الأحوال بأن التعضي قد وقع في المادة في أحد نجوم نظامنا الشمسي، فمن العبث، إذن، الإصرار على إنكار نشوء الحياة في الأرض.» •••
ولو لم يكن قائل هذا القول من ذوي المكانة في العلم لما عبأ أحد به لغرابته، وإنما الناس في المسائل العلمية، كما في سواها، كثيرا ما يعبرون الكلام التفاتا بالنظر إلى مقام قائله. فصاحب هذا الرأي الغريب هو اللورد كلفن أي السير وليم طمسن أحد مشاهير العلماء الطبيعيين جاء في الحقيقة ما نصه: «والذي ارتأى أولا أن جراثيم الأجسام الحية وقعت مع الرجم هو السير وليم طمسن الإنكليزي، ومنذ مدة خطب بعضهم خطبة طويلة في تكون البرد قال: إنه يتكون من بخار موجود في الخلاء الذي بين الأجرام السماوية. فما أتم الخطبة حتى وقف السير وليم طمسن، وقال: أظن الخطيب يمزح فيما يقول؛ لأنه لو فرضنا أن البرد تكون في تلك الأعالي لذاب قبل أن بلغ الأرض بملايين من الأميال. ولما جلس قام اللورد ريلي وقال: أنا أعرف رجلا ارتأى رأيا أغرب من هذا، وهو أن بزور الأحياء هبطت على الأرض من السماء.»
وبديه أن الأحياء على موجب هذا الرأي لم تتساقط إلى أرضنا بأشكالها الحاضرة؛ أي: إن السماء لم تمطرنا من كل نوع من أنواع الأحياء زوجين ذكرا وأنثى؛ زوجين من الكلاب، وزوجين من الفيلة، وزوجين من الأرانب، وزوجين من الحيتان ... إلخ، تكاثرت وعمرت الأرض، فلا الإنسان ولا الحيوان لم يأتيا على هذه الصورة، وإنما الذي تساقط إلى أرضنا بزور وبراعم ومكروبات، نمت فيها وتحولت على مقتضى ناموس النشوء والتحول، وارتقت وكونت الأحياء المعروفة اليوم. •••
ولا بد لتحقق هذا الرأي - على فرض أن سلمنا به - من ثلاثة شروط:
أولا:
وجود صور حية في عالم آخر غير عالمنا، وليس لنا ما يثبت ذلك، ولا نريد بهذا القول إثبات العمارة للأرض وحدها ونفيها عن سائر السيارات، وإنما نريد به أن ليس لنا دليل قاطع على أن سائر العوالم مأهولة بأحياء شبيهة بأحياء أرضنا أو مختلفة عنها، وإن كانت عمارتها محتملة بالقياس.
ثانيا:
وجود وسائل للنقل تحمل هذه الجراثيم من العوالم الأخرى وتنقلها إلى الأرض، وهذا الشرط متوفر في منقضات النيازك وسواقط الرجم، التي هي أجزاء من الأجرام السماوية تتساقط على الأرض، كما لو تحطم أحد الأقمار وتساقطت أجزاؤه. ومثل هذه المنقضات على الأرض كثير ومن كل حجم، بعضها يزن القناطير وبعضها يقل عن المثقال. وقد حسب نيوتن ولوكيار أنه يتساقط منها على الأرض كل يوم نحو عشرين مليونا، وأربعين مليونا إذا عدت الصغار منها. وقد أثارت هذه النيازك في بعض القبائل عواطف العبادة؛ يحكى أنه سقط في سنة 1851 في زوروما في أفريقيا الشرقية نيزك، فدنا السود منه بكل احترام، ومسحوه بالزيت «كمألوم تداوي منه جرحا»، وكسوه بالحلل الثمينة «كي لا تخدش خده الأبصار»، ونقلوه إلى أحد الأكواخ ونصبوه معبودا لهم. وما أمر هؤلاء السود مع هذا الحجر السماوي بأعجب من أمر ذلك الفلاح الإنكليزي الذي رأى من عهد مائة سنة رجلا راكبا منطادا نزل عليه، ولما سأله: أين أنا؟ جثا على ركبتيه، وقال: أنت في كولسدون (اسم بلدة) أيها الإله القادر على كل شيء.
ثالثا:
Shafi da ba'a sani ba