Muhawarar Kimiyya da Zamantakewa

Shibli Shumayyil d. 1335 AH
133

Muhawarar Kimiyya da Zamantakewa

مباحث علمية واجتماعية

Nau'ikan

ولا نقلق راحة سكان القبور بالبحث عن أسباب ذلك فيما تقدم من العصور، بل نكتفي بإلقاء نظرنا إلى ما حولنا وقصره على جزء منا؛ فإن في ذلك تبصرة لقوم يعقلون، ونسأل أنفسنا لماذا لا ينبغ منا كتاب شهيرون كما ينبغ في كل أمة؟ لأننا مع احترامنا للنزر اليسير من أصحاب الاستعداد الفطري الذين لو ساعدتهم ظروف الزمان والمكان لربما كانوا تمكنوا من إظهار مواهبهم إلى درجة يتحدث بها الخاص والعام، وتعيد لهم في عيون الغرباء ما كان لآبائهم من الشأن، لا يسعنا إلا الإقرار بأن لا كتاب عندنا إذا ذكر كتاب المغرب ذكروا معهم كأنداد ينيرون الأفكار، ويستنزلون درر المعاني من سماء العقول حتى يلقطن باليد، ويسيرون شوطا بعيدا من دون أن تخور منهم القوى. والسبب بسيط إذا علمنا أن الإنسان ابن الضرورة وصنيعة الحاجة؛ فالحاطب إنما يجمع الحطب لقوم يصطلون، والكاتب إنما يكتب لقوم يقرءون. الأول لا يستطيع أن ينتقل من حاطب فقير يحمل الحطب على ظهره، إلى تاجر تعظم ثروته وتتسع تجارته، إن لم يجد من يشتري حطبه. والثاني لا يستطيع أن يصير كاتبا مجيدا إن لم يجد من يقرأ كتبه.

فالشرق في تأخر عظيم من حيث انتشار العلم، وعدد الذين يقرءون فيه القراءة البسيطة فقط شيء لا يذكر، فلمن يكتب هؤلاء الكتاب؟ وكيف تحسن حالهم لتجيد قرائحهم ويتفرغون للاستفادة والإفادة؟ وهم لو تفرغوا لذلك لطواهم الفقر قبل أن يطويهم القبر، وهذا ما حملنا على التنبيه في مقالتنا «أ ب ت ث» إلى وجوب نشر التعليم، وشددنا فيها النكير على الحكومة وأعيان الأمة بكلام أقرب إلى التقريع، بعيد عن الالتماس لاعتقادنا أن فيما ننبه إليه قوة لا ينالونها بدونه، وفخرا تتباهى سائر الأمم بمد يد السبق إليه. أليس ما تراه من افتخار كل أمة بكتابها، وإقامة التماثيل لهم بعد موتهم بمئات السنين، من الدليل المقنع على ما لهم من اليد في تشييد معالم فخرها وإحياء ذكرها؟ ولا يثنينا عن ملامنا أعذار يلتمسها بعضهم للحكومة تخفف من مسئوليتها، كعدم وفاء عدد المعلمين اللازمين لنشر التعليم بالسرعة التي طلبناها، وما إخاله يراها متفانية متهالكة في سبيل هذه الدعوة.

ومن الأسباب القاضية على نبوغ الكتاب في المشرق سلوك حكومتهم معهم؛ فقد تعودت الحكومة أن تنظر إلى هذه الطائفة كأنها من الآفات التي ينبغي مقاومتها أكثر من تنشيطها، لا تميز غثها من ثمينها. ولعل السبب عدم مقدرة كثيرين من الحكام على معرفة ما لها من الأهمية، وما لكبارها من النفع في رفع شأن الأمة، وما مثل أكثرهم إلا مثل ذلك الوزير الذي طلب إليه أن ينشط بعض المشروعات العلمية، فأجاب أن مشروعك إن كان منه فائدة فهو ينجح من نفسه. وعذره واضح؛ إذ لا يعرف قدر الشيء إلا ذووه. فمهما أجاد الكتاب في حكومة هذا شأنها، ومهما أظهروا من الاستعداد لأن يكونوا من النوابغ؛ فلا يصادفون إلا إعراضا منها يحملهم على أحد أمور ثلاثة؛ إما كسر القلم، وإما تحديده ضدها، وإما إذلاله لها. الأول يختاره أكابرهم، والأخير يعمد إليه ضعافهم حتى ينحط مقام الكتابة بهم. وأبلغ من ذلك في الإساءة تخريب ذمم الكتاب ومشتراهم بالمال، لا مشترى قلمهم ومواهبهم لنفع الأمة، بل مشتراهم ليكتبوا غير ما يفتكرون، أو يصمتوا عما يعتقدون. والنتيجة من ذلك في كلا الأمرين قتل الأفكار، وإفساد الأخلاق، وموت الكتاب الذين يفتخر بهم، وما وجدت الحكومات لمثل هذا.

نعم إن غرض الحكومات من ذلك إنما هو كف الأقلام عن توجيه المطاعن ضدها، ولو علمت أن هذا السبيل إنما هو السبيل الوحيد الذي يفتح الباب واسعا لهذه المطاعن، لأنه إذا «مات منهم طاعن قام طاعن»؛ لعدلت عنه إلى السبيل القويم الذي يكسب البلاد إصلاحا والحكومة اعتبارا، وهو تنشيط الكتاب الذين يدل استعدادهم على نزاهتهم وسمو مداركهم، والإصغاء إليهم حتى يقتدي بهم سواهم ممن يجد أن الاقتداء بهم أبلغ لنيل المجد والمنفعة، لا إفسادهم لإفساد غيرهم بهم. فلو سلكت الحكومة هذا المسلك لقل الطاعنون عليها طعنا يقصد منه التهويل أكثر من الإصلاح بسبب سياستها التي ليس فيها شيء من الحكمة، ولنبغ الكتاب المشاهير الذين يرفعون شأن الأمة ويشيدون فخارها. فالفخر في إحياء هذه المواهب، لا بإطفاء نورها وهم يحسبون أنهم يتقون نارها.

المقالة الرابعة والأربعون

أم الجرائد

1

المشهور أن الجرائد من مخترعات أهل أوروبا، وأن أول جريدة مطبوعة ظهرت في مدينة البندقية (فينيسيا) في القرن السادس عشر للميلاد. والذي علم لنا اليوم أن هذه الدعوى باطلة ؛ فالصحافة ليست من منشئات أهل أوروبا، فقد عرفها أهل آسيا قبلهم بزمان طويل، كما عرفوا أمريكا قبل خريستوف كولمبوس، والطباعة قبل غوتنبرغ، وكما عرفوا البارود والبوصلة التي عليها المعول في فن سلك البحار، وكما عرفوا كذلك صناعة الخزف ونسج الأقمشة البديعة التي لا يجاريهم فيها مجار حتى اليوم. والبلاد التي سبقت أوروبا إلى كل ذلك هي مملكة الصين؛ أوسع ممالك الدنيا أرضا وأكثرها سكانا.

فمن ضمن الجرائد المعمرة التي تقرأ حتى اليوم في مملكة ابن السماء، كما يسمون مملكة إمبراطور الصين، يوجد في مدينة بكين (ومعناها عاصمة الشمال) جريدة يومية تدعى «كين بان»، ومعناها المجموعة السنوية، ظهر أول عدد منها منذ ألف ومائة سنة. وجريدة أخرى شهرية تدعى «تسين راو»، ومعناها المجلة، ظهر أول عدد منها منذ أربعة عشر قرنا، والحروف التي استخدمها الصينيون لطبع هاتين الجريدتين من الخشب. «فتسين راو» ابتدأت شهرية، أي تصدر مرة في كل شهر، وبقيت كذلك حتى اليوم. وأما «كين بان» فابتدأت شهرية كسالفتها، ثم وسعت مواضيعها ولم تقتصر على ما يهم الخاصة، بل تقربت من العامة فأكثرت نسخها، وانقلبت يومية منذ سنة 1830 للميلاد، ثم زاد انتشارها كثيرا، فأخذت تصدر ثلاث مرات في اليوم. وسبقت أمريكا وأوروبا في استعمال الورق الملون للدلالة على طبعاتها المختلفة؛ فطبعة الصباح لون ورقها أصفر، وطبعة الظهر أبيض، وطبعة المساء رمادي.

وفي أول نشأتها كانت مقتصرة على تقييد الحوادث السياسية المهمة من دون أن تبدي فيها رأيا، وذكر جميع الأخبار ذات الشأن التي كانت تأتيها من كل جهات الصين وملحقاتها اليابانية والأنامية والكورية، نسبة إلى بلاد أنام وكوريا. وهكذا كانت توقف قراءها على حوادث أيام السنة واصفة الأعياد والاحتفالات والجمعيات، ولم تحرمهم كذلك من فكاهات القصص والحكايات الخرافية، ولا من ترويض العقل بنشر الأشعار التي كان يوافيها بها مشاهير الشعراء.

Shafi da ba'a sani ba