9
وأما من عداه فداروا في دائرة ضيقة كانت عنايتهم بالمسائل اللفظية تفوق العقلية، قصروا نظرهم على كتب للمتأخرين محدودة لا تبعث شوقا إلى علم، ولا تهيج العقل إلى بحث، قد ألغزوا في معانيها وركزوا ألفاظها، فوجه المتعلمون أعظم جهدهم إلى حل معمياتها وتفسير أغراضها، وقليلا من الجهد - إن كان - إلى نفس الموضوع.
وكان العلم والفلسفة قد صار شوطا بعيدا في الغرب، والشرق جامد في مكانه، وبدأ الشرق يغالب النوم والنوم يغلبه، ويصارع الكسل والكسل يصرعه، حتى أزعجته الحوادث، وأقلقت راحته ضوضاء احتكاك الشرق بالغرب، فانتبه متأخرا وأحس بتأخره ونقصان علمه وضرورة التعلم حتى يستطيع مشاركة غيره في شئون الحياة، وما أحوجه اليوم إلى هداة يضيئون له السبيل، ويأخذون بيده في هذا المعترك اللجب، وينقلون إليه زبدة ما وصل إليه الغرب فيمعن النظر فيها ويهضمها بعقله الشرقي، ويكون له مدنية وعلما تتفق مع ذوقه وجوه ودينه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
هوامش
الكتاب الثاني
مسائل الفلسفة ومذاهبها
الفصل الأول
مقدمة المؤلف
إن الموضوعات التي تبحث فيها الفلسفة والمسائل التي تحاول حلها لعديدة؛ فكل ما هو علمي محض أو يترتب عليه فائدة عملية للإنسان داخل في نطاقها، ونحن نرتب تلك الموضوعات والمسائل على حسب الإجابة عن ثلاثة أسئلة كبرى: ما، وكيف، ولماذا؟
ما حقيقة الموجود؟ وكيف وجد؟ تلك معميات نيط بحلها «علم ما بعد الطبيعة»، ماذا نعرف عن الأشياء الموجودة؟ وكيف نعرف؟ أسئلة تشتغل بالبحث عنها فلسفة المعرفة، ماذا ينبغي أن نعمل؟ ولم نعمل في طريق خاص دون غيره؟ أسئلة يجيب عنها علم الأخلاق، وعند الإجابة عن هذه الموضوعات كلها نشأت مذاهب ونظم فلسفية متنوعة، فكل إنسان وكل فيلسوف أجاب عنها حسب رأيه وأخلاقه - وربما زدنا - وحسب الظروف المحيطة به، وحسب تربيته وروح العصر الذي هو فيه. وقد لاحظ «فخته» ملاحظة صحيحة أن نوع الفلسفة الذي يختاره الإنسان مرتبط ارتباطا كبيرا بطبيعة الإنسان نفسه، ويجب أن يزاد على ذلك أنه مرتبط كذلك بروح العصر.
Shafi da ba'a sani ba