مع المشككين في السنة
مع المشككين في السنة
Editsa
فاروق يحيى محمد الحاج
Nau'ikan
ثانيًا: وقع الخلاف بين أهل السُّنَّة في الصغائر التي لا تُزري بمنصب الأنبياء ﵈ وليست من الدناءات هل تقع منهم أو لا؟
ومنشأ الخلاف هو: ما حكاه الله تعالى عن بعض الأنبياء ﵈ مما ظاهره لنا أنه معصية، ومن ذلك:
١ - قوله تعالى عن أبينا آدم ﵇: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)﴾ [طه:١٢١].
٢ - قوله تعالى عن يونس ﵇: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)﴾ [الأنبياء:٨٧].
٣ - قوله تعالى عن إبراهيم ﵇: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء:٦٣].
وقوله تعالى عنه ﵇: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)﴾ [الصافات:٨٩].
ومن ذهب إلى وقوع هذه الصغائر منهم ﵈ كابن جرير الطبري وغيره من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين (^١) - قالوا: «لا بدَّ من تنبيههم عليه، إما في الحال على رأي جمهور المتكلمين أو قبل وفاتهم على رأي بعضهم» (^٢).
وكذلك نقل ابن تيمية: أن عامة الجمهور الذين يجوزون عليهم هذه الصغائر يقولون: «إنهم معصومون من الإقرار عليها» (^٣).
والحق: أنهم ﵈ معصومون عن الصغائر والكبائر جميعًا. وهو ما رجحه القاضي عياض (^٤) وأبو إسحاق الإسفراييني وابن فورك وابن حزم، وحكاه النووي عن المحققين (^٥). قال القاضي حسين: «وهو الصحيح من مذهب أصحابنا -يعني: الشافعية-، وما ورد من ذلك فيحمل على ترك الأولى» (^٦).
وقال القاضي عياض: «لا خلاف أنهم معصومون من الصغائر التي تُزرى بفاعلها وتحطُّ منزلته وتسقط مروءته. واختلفوا في وقوع غيرها من الصغائر منهم:
فذهب معظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف إلى: جواز وقوعها منهم. وحجتهم: ظواهر القرآن والأخبار.
(^١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (٢/ ٣٢٨).
(^٢) إرشاد الفحول للشوكاني (١/ ٩٩).
(^٣) قال ابن تيمية: «هم متفقون -يعني: أهل السنة- على أنهم -أي: الأنبياء ﵈ لا يقرون على خطأ في الدين أصلًا، ولا على فسوق ولا كذب. ففي الجملة: كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله فهم متفقون على تنزيههم عنه. وعامة الجمهور الذين يجوزون عليهم الصغائر يقولون: إنهم معصومون من الإقرار عليها، فلا يصدر عنهم ما يضرهم». منهاج السنة النبوية لابن تيمية (١/ ٤٧٢).
(^٤) انظر كلامه في هذه المسألة في كتابه: الشفا بتعريف حقوق المصطفى (٢/ ٣٢٨ - ٣٣٤).
(^٥) قال الإمام النووي: «واختلفوا في الصغائر -أي: في عصمة الأنبياء ﵈ منها-، فجوزها الأكثرون، ومنعها المحققون وقطعوا بالعصمة منها». روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي (١٠/ ٢٠٥).
(^٦) إرشاد الفحول للشوكاني (١/ ٩٩ - ١٠٠).
1 / 229