قال الفتى: فإني لا أعلم أن الناس يتمازحون بالطلاق.
6
وجم الشاعر حين وقعت هذه الكلمة في نفسه، كما وجم الفتى حين جرى بهذه الكلمة لسانه، وأغرق الرجلان في صمت عميق كئيب طويل.
قال الشاعر بعد حين : فقد كانت لهذا كله أسباب خطيرة حقا.
قال نعيم: إلى أقصى غايات الخطورة؟ سرت بعض سيرته حين كان في سني، وما ينبغي أن أقول: سرت بعض سيرته في سنه التي بلغها الآن؛ فقد يجب أن يكون الأبناء حراصا على الأدب وحسن الذوق ورعاية اللياقة حين يتحدثون عن الآباء، ولكني على كل حال قد سرت بعض سيرته حين كان في سني، وأخطأني التوفيق فلم يتح لي أن أخفي عليه كل شيء، وما كاد يظهر على بعض ما فعلت حتى ثارت ثائرته، فأنكر وسخط، وأغرق في الإنكار والسخط، ثم ارتقى إلى الوعيد والنذير، وأسرف على نفسه وعلى أهله في ذلك، فقيل له حين تجاوز طوره: فإن هذا الفتى لم يفعل إلا ما تعود أترابه أن يفعلوا، وما كنت تفعل أنت حين كنت بين العشرين والثلاثين! هنالك لم يضبط نفسه ولم يملك أمره، فأرسل كلمته المنكرة، ثم اندفع إلى شيء يشبه أن يكون جنونا فأقسم جهد أيمانه لا رآني الليل في قصره هذا ولا على ربوته هذه؛ فأنا مسافر إذا كان الأصيل، وسيلحق بي غيري بعد يومين أو بعد أيام؛ فقد ينبغي أن أهيئ الدار لاستقبالهم في مستقرنا الجديد.
وهم الشاعر أن يتكلم، ولكن نعيما مضى في حديثه فقال: إنك رفيق والدي منذ صباه وشريكه في هزله وجده، فهل تعلم أنه لقي من أبيه مثل ما ألقى منه؟ وهل تعلم أنه لم يقبل على بعض لذاته كما أقبل أنا على لذاتي؟ وهل تعلم أنه وفق دائما لأن يخفي عبثه كله على أبيه؟ أم هل تعلم أنه - كغيره من الناس - لها في أثناء شبابه وجد، وأسرف على نفسه وعلى أسرته في اللهو أحيانا، فأنكروا عليه في رفق، ونصحوا له في حب، ووجهوه إلى الخير ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وأكاد أقطع بأنهم لم يبلغوا مما أرادوا شيئا.
قال الشاعر في شيء من العنف: حسبك! فما ينبغي أن تقضي على أبيك.
قال نعيم: فهذه هي الجملة التي نسمعها دائما! فما ينبغي أن نقضي على آبائنا ، وما ينبغي أن نخالف من أمرهم، وما ينبغي أن نسوءهم بقول أو فعل! هذه خصال فرضتها علينا التربية وفرضتها علينا الأخلاق وفرضها علينا الدين، ولكن أواثق أنت بأن الحياة لم تفرض على الآباء شيئا بالقياس إلى أبنائهم يلائم هذه الخصال التي فرضت على الأبناء بالقياس إليهم؟
قال الشاعر: فدعنا من الفلسفة واستقصاء البحث عن أحكام التربية والأخلاق والدين، وحدثني عن هفوتك هذه التي هفوتها فجرت علينا كل هذا البلاء العظيم، أحق إذن ما يقال من أنه قد كانت لك في القرية خطوب؟ فما عسى أن تكون هذه الخطوب؟
قال نعيم: وما عسى أن تكون الخطوب التي تحدث لفتى فارغ مترف قد أقبل ينفق أشهرا بين أهله، فهو يغدو ويروح لا هم له إلا نفسه وإلا لذاته القريبة والبعيدة، وكل شيء من حوله يغريه باللهو ويدفعه إليه! وما أكثر ما يعبث الفتيان فلا تقف حركة الفلك ولا تغير الشمس مجراها في السماء! إنما هي فتاة من أهل القرية راقني منظرها وفتنني سحر لحظها، فصبت إليها نفسي، وانتهى الأمر بنا إلى غايته من الإثم. لم أتحرج أنا، ومتى تحرج السيد من اللهو بإحدى إمائه ولم تتحفظ هي؟! ومتى تحفظت الأمة فلم تستجب لأحد سادتها؟!
Shafi da ba'a sani ba