زر قبر حاتم منصور الكريم وقل
كم حسرة لك في طي القلوب ترى
تسقيك أجفاننا أرخ بأدمعها
يا غصن بان لواه البين فانكسرا
فانقلب الشاعر بهلوانا، وأصبح الشعر ضربا من الحلج والجمر، والمشي على الأسلاك، والانتصاب على الرأس، ورفع الأثقال بالأسنان، ولف الرجلين حول العنق، إلى ما هنالك من الحركات التي تجيدها القردة أيما إجادة. من ذلك الألغاز الشعرية، وحل الألغاز، والمنظومات التي بعض مفرداتها أو كلها منقطة، وبعضها أو كلها مهملة، أو حرف منقط فيها يليه حرف مهمل، والتشطير والتسميط والتخميس، إلخ.
ومن المضحكات المبكيات يا صاحبي، أن مثل هذه الحركات البهلوانية كانت ولا تزال تعرض في سوق آدابنا «كشعر»، وأربابها كانوا ولا يزالون في مقدمة الشعراء عندنا، والشعر براء منها ومنهم، فعلى من اللوم؟
أي يا أخي؛ إنك لمحق في قولك بأن ليس كل شعرنا من هذا القبيل، بل أبواب الشعر عندنا كثيرة وواسعة، فمنها الغزل والنسيب، ومنها المديح والهجاء، ومنها العتاب والرثاء، والفخر والخمر. لكن هذه الأبواب يا أخي، قد أصبحت كذلك معرضا للعروض والقوافي، لا للشعر.
لقد كان البدوي يتصبب على الأطلال والدمن، وينادي الربوع والركبان، إذا نظر إلى القمر رأى وجه حبيبته فيه، أو إلى الظبي رأى عنقها في عنقه، وفي عينيه عينيها. ونحن لا نزال نتصبب على الأطلال والدمن، ولا أطلال عندنا ولا دمن، وننادي الركب ولا ركب نناديه، وقل ممن يقرض العروض في أيامنا من رأى في حياته ظبيا فالتا ...
وإذا هزتنا الحماسة طعنا بالهندواني واليماني، ونحن لم نطعن في حياتنا ضبا، ولو بسكين صغيرة.
وإذا مدحنا لم نجد بدا من وضع من نمدحه فوق الشمس والقمر:
Shafi da ba'a sani ba