Abin da ke Bayan Addinai
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
Nau'ikan
إذا كنا لا نستطيع بالفعل القيام بأي شيء فيما يتعلق بمشاعرنا، فإن هذا يعني أننا عبيد لها في الواقع. بالرغم من ذلك، تظهر تدريجيا أدلة علمية، ولا سيما من علم النفس وعلم الأعصاب، تشير إلى أنه من الممكن بالفعل تحقيق تغيير جاد في أنماطنا العاطفية والسلوكية من خلال الجهد الواعي. أنا لست عالما بالطبع كما قلت من قبل. لكني ظللت أناقش هذه القضايا على مدار سنوات عديدة مع الخبراء. ويبدو لي من هذه الأحاديث أن الاكتشاف الحديث لما يسمى ب «مرونة الدماغ» قد يقدم تفسيرا علميا جيدا لإمكانية التغيير الجاد. فقد لاحظ الباحثون أن أنماط الدماغ وبنياته يمكنها أن تتغير، وأنها تتغير بالفعل بمرور الوقت استجابة لأفكارنا وخبراتنا. علاوة على ذلك، صار العلماء الآن قادرين على ملاحظة التفاعل بين أجزاء الدماغ المرتبطة بالأنشطة المعرفية العليا مثل التفكير العقلاني (في القشرة الجبهية الأمامية) وتلك الأجزاء المعروفة باسم الجهاز الحوفي، بما في ذلك اللوزة الدماغية التي تتخذ شكل اللوزة بالفعل، والتي ترتبط بانعكاساتنا الغريزية والعاطفية الأكثر بدائية. وقد دفعت هذه التطورات التي توصل إليها علم الأعصاب العديد من العلماء إلى الاهتمام الجاد بفكرة أن جهودنا الواعية قد تمكننا من تدريب غرائزنا العاطفية عن طريق تغيير الأنماط المادية في دماغنا بالفعل. لا يزال البحث في هذا المجال جديدا بعض الشيء، لكن يبدو لي أنه يمكن أن يمنح شديدي التمسك بالمادية أسسا لأمل لا يقل قوة عن إيمان المؤمن بالدين. (2) عالمنا العاطفي
من المثير للاهتمام أن علم العقل البوذي الكلاسيكي الذي تلقيت التدريب فيه، لا يضم مفهوما للشعور بصفته فئة واحدة، بحيث يتطابق بدقة مع مفهوم الشعور في علم النفس الغربي المعاصر. الحق أنه لا توجد كلمة، سواء في السنسكريتية أو التبتية الكلاسيكية، يمكن ترجمتها بدقة إلى كلمة «عاطفة». بدلا من ذلك، تفهم جميع الحالات الذهنية على أنها تتضمن البعدين؛ الإدراكي والعاطفي كليهما بدرجة ما، وأنها تضم خمسة عوامل ذهنية حاضرة في كل مكان، ومن بينها «الشعور». أما العوامل الأربعة الأخرى، فهي التمييز والإرادة والانتباه والتواصل. ولذلك، فحتى عملية ذهنية معرفية ببساطة العد من واحد إلى عشرة تعد نوعا من «الشعور» أو «نمط شعوري» يرتبط بطبيعة الحال بالسياق.
توجد أيضا طرق مختلفة لتصنيف حالاتنا العاطفية. فعلى سبيل المثال، غالبا ما يميز علم النفس المعاصر تمييزا رئيسيا بين الحالات العاطفية التي تتسم بالمتعة أو البهجة من ناحية، وتوصف بأنها إيجابية، وبين تلك التي تتسم بأنها غير سارة أو مؤذية من ناحية أخرى وتوصف بأنها سلبية.
لكن التمييز في علم النفس البوذي الكلاسيكي، يختلف نوعا ما. فبدلا من ذلك، لا يكون التمييز الأساسي بين الحالات الممتعة والحالات المؤذية، بل بين الحالات المفيدة والمضرة. الحالات الذهنية «المؤذية»، والمعروفة باسم «نيونمونج» في لغة التبت أو «كليشا» باللغة السنسكريتية، هي الحالات التي تقوض الرفاهية على المدى الطويل، بينما الحالات الذهنية «غير المؤذية»، هي تلك التي ليس لها مثل هذا التأثير المدمر.
بالنظر إلى هذه الطرق المختلفة لتصنيف التجربة الوجدانية أو العاطفية، من المهم للقراء ألا يخلطوا بين تلك المشاعر المؤذية التي يقصد بها الضارة للرفاهية على المدى البعيد، وبين تلك المشاعر غير السارة فحسب. تتداخل هذه المشاعر في بعض الأحيان بالطبع. فاختبار مشاعر الكراهية على سبيل المثال، مدمر وغير سار في الوقت نفسه، لكن بعض التجارب الشعورية قد تكون غير سارة لكنها مفيدة مع ذلك، ويمكن بالمثل أيضا أن تكون بعض المشاعر سارة لكنها هدامة. مشاعر الحزن والأسى والندم على سبيل المثال، ليست سارة بالتأكيد، لكنها ليست مؤذية في حد ذاتها بالضرورة. فعند مواجهة فجيعة موت أحد الأحباء على سبيل المثال، قد تكون مشاعر الحزن والأسى بناءة جدا في مساعدتنا على تقبل الفقد والاستمرار في حياتنا. وينطبق الأمر نفسه على المشاعر التي قد تبدو سارة في البداية، لكنها قد تكون هدامة على مستوى أعمق مع ذلك؛ إذ تقوض سلامنا النفسي واستقرارنا. ومن أمثلة ذلك الشهوة أو الاشتياق المفرط إلى شيء معين. قد يكون هذا الشوق ممتعا من ناحية ما. لكن رغبتنا الملحة سوف تلتهم قدرتنا على الرضا الحقيقي في نهاية المطاف وتقوض توازننا العقلي؛ ولذلك يجب اعتبارها من المشاعر الهدامة.
في سياق الأخلاق العلمانية، فإن هذا التمييز بين تلك الحالات العقلية التي تقوض الرفاهية لنا وللآخرين، وتلك التي تعزز البقاء والرفاهية يمكن أن يكون مفيدا للغاية؛ لأنه وثيق الصلة بسعينا وراء تحقيق السعادة وعيش حياة سليمة أخلاقيا. نظرا لأن الناس ينتمون إلى العديد من الخلفيات والثقافات المتنوعة، فقد تختلف الحالات التي تعتبر هدامة والتي تعتبر مفيدة في حالات معينة. بصفة عامة، يمكن تعريف المشاعر الهدامة بأنها الحالات التي تقوض رفاهيتنا إذ تولد فينا اضطرابات داخلية، ومن ثم تحول دون ضبط النفس وتسلبنا الحرية الذهنية. في هذا السياق أيضا، يمكن التمييز بين فئتين فرعيتين: الحالات العاطفية الهدامة في حد ذاتها، مثل الجشع والكراهية والحقد؛ والحالات الأخرى التي لا تصبح هدامة إلا حين لا تتناسب شدتها مع الموقف الذي تنشأ فيه، مثل التعلق والغضب والخوف.
من منظور بيولوجي، فإن جميع مشاعرنا الأساسية لها في نهاية المطاف أغراض تطورية واضحة. فالتعلق على سبيل المثال، يساعدنا على التقارب بعضنا من بعض ويمكننا من بناء الروابط فيما بيننا، ويساعدنا الغضب على مقاومة القوى التي تضر ببقائنا ورفاهيتنا، ويمكننا الخوف من الاستجابة للتهديد بيقظة، أما الحسد فيدفعنا إلى التنافس مع الآخرين كي لا نهمل احتياجاتنا الخاصة. وقد أثبت العلماء أن هذه المشاعر الأساسية لها أبعاد بيولوجية واضحة. عندما نواجه خطرا وشيكا على سبيل المثال ونشعر بالخوف، يزداد اندفاع الدم إلى الساقين، ومن خلال زيادة الأدرينالين وتسارع نبضات القلب، يعدنا شعور الخوف بالفعل للفرار. في المقابل، عندما ينشأ الغضب، يتدفق المزيد من الدم إلى ذراعينا، وهو ما يعدنا لمواجهة التهديد. ولذا، فإن الأمر المهم الذي ينبغي لنا تذكره هو أن هذه المشاعر ليست هدامة في حد ذاتها، بل تصبح هدامة فقط عندما لا تتناسب شدتها مع الموقف، أو تنشأ في موقف لا يستدعيها.
أما بالنسبة إلى التعلق الذي هو في نهاية المطاف شعور يربط العائلات والمجتمعات معا، فلا نفكر فيه عادة باعتباره شعورا مدمرا. ومع ذلك، عندما يتسم هذا الشعور الأساسي بالمغالاة ويريد التحكم فيمن يخضع له، فإنه يصبح هداما. هذا ينطبق أيضا على الرغبة. فالرغبة في حد ذاتها ليست هدامة. ومن دون رغبة، سينمحي الجنس البشري عن الوجود تماما! حقيقة الأمر أن الرغبة هي الشعور الذي يسير الكثير من أنشطتنا اليومية، من الاستيقاظ في الصباح إلى تناول الطعام، والعمل، وحتى السعي إلى تحقيق أهدافنا الفورية والطويلة الأمد في الحياة.
وبالمثل، فإن الغضب نفسه ليس مدمرا على الدوام. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي الرأفة الشديدة في بعض المواقف إلى توليد شعور شديد بالغضب بالقوة نفسها، تجاه الظلم. مرة أخرى، يمكن للشعور بالغضب أن يجعل عقولنا أكثر تركيزا على المدى القصير ويعطينا دفعة إضافية من الطاقة والعزم. بهذه الطرق، يمكن للغضب في مواقف معينة أن يجعلنا أكثر فاعلية في إنجاز الأمور التي نباشرها والحصول على تلك التي نسعى إليها عن حق. ومع ذلك، عندما يمتد الغضب إلى ما هو أبعد من هذه الوظيفة العملية، فمعظم الطاقة التي يمنحنا إياها لا تكون مفيدة على الإطلاق. نظرا لأننا جميعا على الأرجح، كنا في وقت أو آخر ذلك الطرف المتلقي لغضب الآخرين، فقد اختبرنا جميعا عواقبه غير السارة.
وعلى أية حال، فبينما يتسم الغضب بجانب بناء في بعض الأحيان، لا تتسم الكراهية بذلك أبدا. فالكراهية هدامة دائما.
Shafi da ba'a sani ba