Abin da ke Bayan Addinai
ما وراء الأديان: أخلاقيات لعالم كامل
Nau'ikan
مثلما أن النجار لن يفكر حتى في إصلاح كرسي من دون إزميل ومطرقة ومنشار في متناول يده، نحتاج نحن أيضا إلى مجموعة من الأدوات الأساسية لمساعدتنا في جهودنا اليومية من أجل العيش بأسلوب أخلاقي. في التقليد البوذي، توصف مجموعة الأدوات هذه بثلاثة عوامل مترابطة هي «الانتباه» و«اليقظة» و«الوعي الاستبطاني». ويمكن لهذه الأفكار الثلاثة أن تكون مفيدة أيضا في سياق علماني. فهذه الأفكار معا يمكن أن تساعدنا في الحفاظ على قيمنا الأساسية في الحياة اليومية، وتوجيه سلوكنا اليومي حتى يصبح أكثر انسجاما مع هدف تحقيق المنفعة للذات وللآخرين.
تشير أولى هذه الأفكار، وهي «الانتباه»، إلى تبني موقف شامل من الحيطة. فالمصطلح التبتي لهذه الفكرة: «بهاكيو»، الذي يترجم غالبا إلى «اليقظة» أو «الضمير»، يحمل معنى الحذر أو الانتباه. على سبيل المثال، إذا شخص المرء بمرض السكري، فسينصحه الطبيب بالانتباه الشديد فيما يتعلق بحميته الغذائية. وسوف يتوجب عليه تجنب السكر، والملح، والأطعمة الدهنية للحفاظ على مستويات ضغط الدم والأنسولين تحت السيطرة. وسيحذره الطبيب من أنه إذا لم يلتزم بهذا النظام الغذائي، فقد تكون هناك عواقب وخيمة على صحته. عندما يكون المرضى مهتمين بأمر صحتهم، فإنهم يتبعون هذه النصيحة ويتحلون بالحذر فيما يتعلق بحميتهم الغذائية. وإذا اشتهوا تناول شيء يجب تجنبه، فإن هذا السلوك أو الموقف الحذر سيساعدهم في ممارسة ضبط النفس.
يوضح مفهوم الانتباه في أحد النصوص البوذية الكلاسيكية من خلال قصة رجل مدان في جريمة وحكم عليه الملك بحمل وعاء ممتلئ حتى حافته بزيت السمسم، بينما يسير حارس بجانبه وهو يحمل سيفا مستلا. حذر المحكوم عليه من أنه إذا سكب قطرة واحدة من الزيت، فسيضرب بالسيف. يمكننا أن نتخيل مدى حذر المحكوم عليه ويقظته! سيكون حاضر الذهن بالكامل ومنتبها تماما. توضح القصة الارتباط الوثيق بين الانتباه وصفتي اليقظة والوعي اللتين نوضحهما فيما يلي.
يوجد اليوم العديد من التقنيات العلمانية لتطوير اليقظة، وقد ثبتت فعاليتها في الحد من التوتر وعلاج الاكتئاب. وفقا لما أفهمه، فإن اليقظة في هذا السياق تشير عادة إلى اكتساب الوعي بأنماط سلوكنا، بما في ذلك الأفكار والمشاعر، وتعلم التخلي عن تلك العادات والأفكار والمشاعر غير المفيدة. يبدو لي أن هذا المسعى جدير بالاهتمام الشديد. وسوف أناقش كيفية تطوير هذا النوع من الوعي بدرجة أكبر في الفصل التاسع.
بالرغم من هذا، ففي سياق العيش بأسلوب أخلاقي في الحياة اليومية، أرى أن المعنى الأهم لليقظة هو «التذكر». أعني بهذا أن اليقظة هي القدرة على جمع شتات النفس ذهنيا ومن ثم تذكر قيم المرء ودوافعه الأساسية. في اللغة التبتية، تعد «الذاكرة» أيضا من مرادفات كلمة اليقظة «درينبا»؛ ولذا فهو مصطلح يشير إلى تنمية حضور الذهن في الأنشطة اليومية. في ظل ذلك التذكر، تقل احتمالية انغماسنا في عاداتنا السيئة وتزيد احتمالية أن نمتنع عن الأفعال الضارة. وتعد سلوكيات مثل رمي القمامة والإسراف والإفراط في الترف جميعها أمثلة بسيطة على السلوك الذي يمكن تحسينه من خلال ممارسة اليقظة.
أما الوعي أو «شيشين» في لغة التبت، فيعني الانتباه إلى سلوكنا الشخصي. فهو يعني مراقبة سلوكنا بصدق أثناء وقوعه، ومن ثم إخضاعه للسيطرة. من خلال الوعي بأقوالنا وأفعالنا، نحمي أنفسنا من الإتيان بأفعال وأقوال من شأنها أن نندم عليها فيما بعد. إذا غضبنا على سبيل المثال، وعجزنا عن إدراك أن الغضب يشوه فهمنا، فقد نقول أشياء لا نعنيها. ولذلك، فإن امتلاك القدرة على مراقبة الذات؛ أي أن نتمتع بمستوى ثان من الانتباه، إن جاز هذا التعبير، له فائدة عملية كبيرة في الحياة اليومية؛ إذ يمنحنا سيطرة أكبر على سلوكنا السلبي ويمكننا من الالتزام بدوافعنا وقناعاتنا الأكثر عمقا.
إن مثل هذا الوعي بسلوكنا، على مستوى الأفعال والأفكار والكلمات، ليس أمرا يمكننا تعلمه بين عشية وضحاها. وإنما يتطور تدريجيا، وكلما أصبحنا أكثر وعيا، ازداد إتقاننا له ببطء.
ربما يرى بعض القراء أن مجموعة الأدوات الذهنية هذه أشبه بنصيحة من نوعية «أصغ إلى ضميرك»، وهي فكرة لها دور مهم في العديد من المناهج الدينية لممارسة الأخلاق. وبالفعل توجد تشابهات كثيرة بين الأمرين. ففي بعض الأديان، يعتبر الضمير هبة ثمينة من الإله تجعل البشر مخلوقات أخلاقية فريدة. ومن منظور علماني، يمكن فهم الضمير باعتباره نتاج طبيعتنا البيولوجية بصفتنا حيوانات اجتماعية، أو شيئا نكتسبه من المجتمع بحكم تنشئتنا وبيئتنا. في كلتا الحالتين، فإن جميع العقلاء والمسئولين سيوافقون بالتأكيد على أن هذه الصفة ذات دلالة كبيرة فيما يتعلق بإدراكنا الأخلاقي. مهما كانت آراؤنا بشأن الدين، فإن فكرة تجرد الشخص من الضمير؛ أي ألا يتمتع بأي صوت داخلي لضبط النفس أو المسئولية الأخلاقية، أمر مخيف بحق.
ومع ذلك، فممارسة الوعي ليست مرادفا دقيقا للإصغاء إلى الضمير. ففي النظرية الأخلاقية البوذية لا توجد فكرة الضمير بصفتها قدرة ذهنية مميزة. لكن فكرة يقظة الضمير أمر شديد الأهمية. وتوصف يقظة الضمير من خلال ملكتين ذهنيتين رئيسيتين، وهما «احترام الذات» و«مراعاة الآخرين».
تتعلق الملكة الأولى، وهي احترام الذات، بامتلاك حس النزاهة الشخصية؛ أي صورة المرء عن ذاته بصفته شخصا يدعم قيما معينة. وبذلك، عندما يغرينا الانغماس في سلوك ضار، تعمل صورتنا الذاتية كقيد؛ إذ نفكر أن «هذا لا يليق بأن يصدر مني». وتتعلق الملكة الذهنية الثانية، مراعاة الآخرين، بالاحترام الصحي لآراء الآخرين، لا سيما لرفضهم المحتمل. إن هذين العاملين معا، يشكلان مستوى إضافيا من الحذر بشأن ارتكاب الخطأ، وهو ما يعزز بوصلتنا الأخلاقية. (4) خلق الفضيلة
Shafi da ba'a sani ba