Abin da Idanu Ke Gani
ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
Nau'ikan
وسكت عن الكلام مشتغلا بالكتابة. فنظر له الأستاذ نظرة عتاب واستهجان، وأمسك بقلمه ليكتب، وخط على الورقة في السطر الأول: «داس قطار المطرية مساء أمس بجوار محطة منشية الصدر غلاما يبلغ العاشرة فأسال دماءه، وهشم عظامه، ونحن نستلفت أنظار أصحاب ...» وإذا به يسمع من النافذة صوتا رقيقا يناديه قائلا: عم صباحا يا شيخ عبد الله.
فرفع رأسه لاتجاه الصوت، ولما عرف صاحبه ابتسم وقال: صباح الخير يا حسن أفندي. تفضل.
وإذا بصاحب الصوت يقرئ السلام بحري أفندي فرده بما هو أحسن منه، ودخل حسن أمين عليهما وجلس على كرسي بعد أن صافحهما، ثم التفت يمنة ويسرة ورفع رأسه للسقف ثم قال: إني أتيتكم اليوم بالمقال الأول من مقالات «خواطر».
فقال الأستاذ: وكم عدد هذه المقالات الشائقة؟ - ربما أربت على العشرين. - ما شاء الله. - وأود أن تظهر المقالة الأولى في الفاروق اليوم. - وهل اطلع عليها البيك؟ (وكان البيك صاحب الجريدة.) - سأطلعه عليها بعد حين.
جرى هذا الحديث الصغير، وبحري أفندي مشتغل بالترجمة كأنه في واد والآخرون في واد آخر. فالتفت حسن له وقال: وما رأي بحري أفندي؟ - وعن أي شيء يريد سيدي الكريم أن أبدي رأيي؟ - عن الخواطر. - المقالات التي وعدت الفاروق بها؟ - نعم. - إني أرحب بها كما أرحب بك الآن. - شكرا لك، وهل في عزمك ترجمة مقالات الفيجارو عن المرأة المصرية؟ - ربما صح مني العزم. - يا حبذا لو أقدمت على ذلك، وأخرجت تلك المقالات ذات التخيل اللطيف والمنهج الواضح! - أخشى أن تذهب الترجمة بحسنها الرائع. - هذا تواضع أجل صاحبه عنه.
ثم التفت حسن للشيخ عبد الله، وقال: وما ذاك الخبر الذي نشرته أمس؟ - أي خبر؟ - خبر استقالة مدير مصلحة البريد. أصحيح ذلك؟ - الفاروق لا ينشر غير الأخبار الصادقة، وإن نشرها قبل أن تتحقق. - لله درك!
وإذا بأحد الخدم داخلا وفي يديه ورقتان دفع بهما للشيخ عبد الله وهو يقول: بريد زفتى وميت غمر يرجو البيك أن تصلح ما به من خطأ.
فتناول الأستاذ الورقتين وهو يقول: «الأولى بك أن تقول: «البك يرجوك في كتابته من جديد».»
وخرج الخادم وكأنه لم يسمع ما قاله الأستاذ.
فالتفت حسن لشيخنا المسكين، وقال: أيسرك إصلاح بريد الأقاليم؟ - مرة في كل شهر. - بل قل مرة في كل عام، وهل عزم الفاروق على زيادة صفحاته إلى اثنتي عشر؟ - هذا ما لا علم لي به، ولا أظن مذيع هذا الخبر صادقا. - ولم؟ - يصعب علينا أن نملأ ثماني صفحات طويلة عريضة، فأنى لنا أن نحرر اثنتي عشرة صفحة، ومن من المصريين يقدم على مطالعتها؟ - المصريون متشوقون للمطالعة. - إذا كان ما نكتبه في جرائدنا من نوع مقالاتك، وأمثالك - كما نعلم جميعا - قليلون في هذا البلد الأمين. - إنك تطريني يا شيخ عبد الله. - أنا لا أقول إلا الصدق، فإن ظننت فيه الإطراء فشأنك وما تظن. - أشكرك، ولو أني أظنني أقل كفاءة من ذلك.
Shafi da ba'a sani ba