Abin da Idanu Ke Gani
ما تراه العيون: قطع قصصية مصرية
Nau'ikan
وقام الرجل المسكين وقبل أقدام سيده ومولاه، فصفح عنه بعد أن فرض عليه جزية تقبلها الرجل شاكرا؛ وهي أن يقوم هذا البائس ويقبل أيادي الرفاق أجمعين ثلاثا بعد أن يصفعه كل واحد منهم مرة، وكيف لا يقبل ذلك الرجل الفقير ذلك وقد وضعت امرأته بالأمس طفلها السادس؟!
ودارت الكئوس مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة، ثم قاموا جميعا وتناولوا العشاء، وعادوا للراحة في غرفة الاستقبال، ولبثوا سكوتا ومنهم من أسند رأسه على كتف صاحبه مستسلما للكرى، ومنهم من انتهز الفرصة وتناول كأسا من الوسكي دون أن يراه أحد، ومنهم من جلس يفكر في حيلة يضحك بها البك لينال رضاءه، أما البك - حفظه الله - فكان كالميت لا يعي شيئا، وهذا حال كل رجل بدين الجسد إذا أكل ولم يحاذر في أكله.
ثم أفاق البك ونادى أحد الرفاق، وكان فتى في مقتبل العمر، جميل الصورة أهيف القد، إذا مشى تثنى كما يتثنى الغصن وقد لعب به النسيم، وكان البك يميل لمحادثته على انفراد؛ لعذوبة ألفاظه، ورقة حديثه فكان لا يصبر على فراقه دقيقة واحدة، ولهذا أسكنه البك في غرفة من السلملك، حتى إذا احتاج لرؤيته لا يلبث أن يراه.
ناداه البك قائلا: أين عودك يا صديقي؟ أمسك به وشنف آذاننا جميعا.
فتناول الفتى العود، وابتدأ في الضرب، وغنى لحنا تناول البك عند سماعه الكمنجة واشترك في الضرب والغناء معه، وقام الرفاق يرقصون حتى إذا أعياهم الرقص جلسوا وهم يصفقون ويميلون طربا كأنهم يسمعون عبده أو عثمان. وعند انتهاء الغناء دخل على الجماعة رجل يبلغ الخامسة والأربعين، يلبس منظارا أسود يحجب عن الناس ما في عينيه من شر وحسد وحقد، وسلم على الجميع بعد أن قبل يد البك، وقام البك واقفا لرؤيته وعانقه والرفاق في دهشة! وكيف لا يدهشون والقادم صعلوك ممن حكم عليهم قديما بالحبس للتزوير والاختلاس؟! وجلس الرجل بجوار البك، وأسر إليه كلمات ابتسم لها البك، وتهللت أسارير وجهه، ولما رآه الرفاق يسر للبك شيئا ابتعدوا قليلا فقال الرجل لسيده: قد انتهى كل شيء. - كم في المائة؟ - ثلاثون. - بورك فيك.
وعاد البك للغناء والضرب على الكمنجة، والرفاق للرقص والتصفيق. •••
لم يكن هذا الزائر الجديد إلا رسول البك للمرابين لرهن مائة فدان هي البقية الباقية من تراث آبائه، وهل يتسنى لمن كان يمتلك ثلاثمائة فدان أن يعتاد هذا البذخ وهذا الإسراف على جماعة يستأجرهم لتقبيل يده والتغني بكرمه وجوده دون أن يرهن ما عنده ليفقده صفقة خاسرة؟!
وهب بعد قليل نسيم عليل ارتاحت له نفس البك، فقال وهو يبتسم: لو من الله علي بألفي جنيه لكنت أشتري بها منزلا في رمل الإسكندرية لأقضي فيه فصل الصيف من كل عام.
وتنهد البك آسفا على ذلك المنزل الجميل، فقال أحد الرفاق: لا تيأس يا سعادة البك من رحمة الله، سوف يمن الله عليك بما تريد.
ولم تقع هذه الجملة موقعا حسنا عند البك، فغلى الدم في عروقه وقطب وجهه استياء ثم صاح: يا لك من غر أحمق! يمن الله علي؟ أتظن أني فقير أيها المجنون؟!
Shafi da ba'a sani ba