صلى الله عليه وسلم
الذي سنعالج حوادثه البارزة في كتاب ثان إن شاء الله تعالى.
ولسنا في حاجة إلى القول بأن كلامنا في هذا الفصل، سينصب في مجموعه على عرب الشمال، وإن كان سيلمس عرب الجنوب أيضا الذين لخصنا تاريخهم في الفصل الرابع من هذا الكتاب؛ وذلك لأنا سنعالج بلاد العرب - فيما يلي - كوحدة واحدة قبيل ظهور الإسلام، أو في العصر المعروف بعصر الجاهلية الذي يشمل القرن أو القرنين السابقين مباشرة لظهور الإسلام.
الفصل الحادي عشر
الحجاز في فجر ظهور الإسلام
وثنية العرب وأصنامهم
لم يكن عرب الشمال - وغالبيتهم العظمى من البدو - شديدي التأثر بالدين، كما كان عرب الجنوب - الذين وصفنا الحالة الدينية عندهم في فقرة [اللغة والدين] من هذا الكتاب فارجع إليها، والعرب - كما يقولون - أمة شعراء، الشعر سجل أعمالهم، ولكنك قل أن تجد فيما وصل إلينا من الشعر الجاهلي ما يعكس لك صورة واضحة عن الحالة الدينية في بلاد العرب، وقد يكون السبب في ذلك أن الشعر الديني - بسبب اعتناق العرب للإسلام - قد حظرت روايته فضاع، ويبدو أن العربي لم يكن يهتم للدين كثيرا، يدلنا على ذلك ما رواه صاحب الأغاني من أن امرأ القيس بن حجر الكندي عندما قتل أبوه مر بمعبد ذي الخلصة، ليستقسم بالسهام، فلما أخرج السادن سهم النهي ثلاث مرات قذف امرؤ القيس بالسهام في وجه الصنم، وقال: لو كان أبوك الذي قتل لما نهيتني عن طلب الثأر له.
وفيما عدا الشعر فإن مراجعنا في وثنية العرب قبل الإسلام تكاد تنحصر فيما ورد عن الوثنية في القرآن الكريم - الذي يصور لنا الحياة الجاهلية في نواحيها المتعددة من دينية واجتماعية أصدق تصوير وأروعه - وفي بعض ما كتب من الأدب الإسلامي، ونخص بالذكر منه كتاب الأصنام للكلبي (المتوفى حوالي سنة 820م).
وكانت معبودات العرب في الجاهلية تختلف ما بين الصنم والوثن والنصب، فأما الصنم فما كان على صورة إنسان من معدن أو خشب، والوثن ما كان على شكل الإنسان من حجر، أما النصب فهو حجر غفل ليس على صورة معينة.
ولعل الوثنية العربية كانت أبسط شكل للمعتقدات السامية، فهي لم تترق كما ترقت وثنية عرب الجنوب، التي كانت لها معابد فاخرة، وشعائر معقدة مما تتطلبه حالة الإقامة، على عكس عرب الشمال، الذين كانوا في الغالب بدوا، وتشبه وثنية العرب معظم الوثنيات الأخرى، في وجود آلهة خاصة بالقبائل، تنفرد كل قبيلة بعبادة إلهها، وتشترك معظم القبائل في عبادة الإله الأكبر.
Shafi da ba'a sani ba