بتنا فأمر ما بدا لك
وسواء أصحت نسبة هذه الأشعار إلى عبد المطلب أم لم تصح، فإن الثابت: أن سهما واحدا لم يطلقه المكيون في سبيل الدفاع عن بيتهم المقدس، ولكن هذا لم يمنع المكيين بعد هزيمة أبرهة من أن يملئوا العالم العربي افتخارا بما أصابوا من ظفر، وأخذت قبائل العرب تنظر إلى قريش نظرة الاحترام والإجلال، وارتفعت مكانتها في كل القبائل، وادعت هي لنفسها مكانا ممتازا، فقالوا: نحن بنو إبراهيم وأهل الحرم، وولاة البيت، وقاطنوا مكة، فليس لأحد من العرب مثل منزلتنا، ولا يعرف العرب لأحد مثل ما يعرف لنا فهلموا فلنتفق على ائتلاف أننا لا نعظم شيئا من الحل كما نعظم الحرم، فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منها، وهم يعرفون ويقرون أنها جزء أساسي من دين إبراهيم، يتحتم على الآخرين القيام به، وكذلك رفضوا أن يعملوا الجبن والزبد وهم في ملابس الإحرام، كما رفضوا أن يدخلوا بيوت الشعر واستبدلوها ببيوت الأدم، وفرضوا قواعد جديدة على الحجاج والعمار في سبيل توسيع نفوذهم، فمنعوهم أن يأكلوا في الحرم طعاما أحضروه من الحل، وأجبروا هؤلاء أيضا على الطواف حول الكعبة إما عراة أو في ملابس يقدمها المتحالفون، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم الحمس «من الحماسة وهي الشدة».
وكانوا يضمون عدا قريش بني كنانة وخزاعة وعامر، وخضعت العرب لما افترضه المكيون عليهم، وازدادت قداسة الكعبة، ودانت العرب للمكيين، لما شاهدوه من هزيمة جيش أبرهة، وما فتئت قريش تتمتع بهذا النفوذ العظيم زهاء نصف قرن، وتحمل - حتى النساء - على الخضوع لما فرضوا. قال ابن الأثير: وأما النساء فكانت المرأة تضع ثيابها كلها إلا درعها مفرجا، ثم تطوف فيه.
فكانوا كذلك حتى بعث الله محمدا فنسخه، فأفاض من عرفات، وطاف الحجاج بالثياب التي معهم من الحل، وأكلوا من طعام الحل في الحرم أيام الحج، وأنزل الله تعالى في ذلك:
ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ، وأنزل الله تعالى في اللباس والطعام الذي من الحل وتركهم إياه في الحرم:
يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ... إلى قوله:
لقوم يعلمون ، وقبل أن نختم الكلام على عبد المطلب نشير إلى أمر الأحزاب في آخر أيامه. (18) الحزب الهاشمي والحزب الأموي
بدأ الانقسام في بيت قصي - كما بينا - بعد موته؛ إذ انقسم إلى قسمين: قسم تمثله سلالة ولده عبد الدار، والقسم الآخر تمثله سلالة ولده عبد مناف.
أما بيت عبد الدار فكان يتمتع بكافة المناصب الأصلية في مبدأ الأمر، ولكنهم - أثناء النزاع مع هاشم - انتزع منهم الكثير من المناصب الأقل أهمية، ولا شك أن المناصب التي احتفظوا بها لم تكن بدون أهمية، ولكنها وزعت بين أفراد من الأسرة، وبذلك ضاعت فائدة تجمعها في يد واحدة، ولم تكن هناك محاولة متحدة ترمي إلى الحصول على نفوذ اجتماعي وسياسي هام.
أما سلالة عبد مناف - فإنها احتفظت بالزعامة الحقيقية بمكة، وانقسم بنو عبد مناف بدورهم إلى حزبين: هما بيت ابنه هاشم، وابنه عبد شمس ولقد احتفظ البيت الهاشمي بمنصبي الرفادة والسقاية، فكسب بذلك نفوذا ثبته حسن إدارة المطلب، ثم ابن أخيه عبد المطلب من بعده، الذي اعتبرته مكة - كما اعتبرت أباه هاشما من قبل - زعيم شيوخ مكة.
Shafi da ba'a sani ba