63

Mece ce Fim

ما هي السينما!: من منظور أندريه بازان

Nau'ikan

انجذب بازان بوضوح إلى الحدود القصوى في خمسينيات القرن العشرين، وهو عقد اعتبر فاترا بوجه عام. وليس مفاجئا أنه كان يدعم الوثائقيات الإثنوغرافية، وأنه كان مهتما بالأفلام الروائية التي تنتمي للواقعية الجديدة، والتي يظهر فيها شيء لم يكتب في النص بطريقة مثيرة خلال المشاهدة السينمائية. كان دعمه للاقتباسات أصعب على الفهم؛ حيث يجب أن يسيطر النص والتخطيط على مجريات الأمور. لكن فيلم «يوميات قس في الأرياف» جعله يدرك أنه حتى في حالة الاقتباس فإن لغة الروايات القوية ومواقفها يمكن أن تكون بمنزلة موضوع غريب غرابة الحيوانات الوحشية، أو التضاريس النائية، أو الجماعات الاجتماعية الأجنبية. لكن أين تقع الصنعة السينمائية إذا؟ ويتصل بذلك السؤال: من يستحق أن ننسب الفضل إليه فيما نقدره على الشاشة؟

أجاب نقاد «كاييه» عن هذا السؤال بسرعة: في الأفلام ذات الشأن، المخرج الأصيل هو وحده المسئول. هذا الوضع هو ابتذال لمبادئ سارتر الأخلاقية الوجودية التي يكون فيها اتصال المؤلف بنصه رمزا للمسئولية، وهو ما ينطبق على كل منا إذ نصنع حيواتنا. لكن بازان - الذي لم يبتعد قط عن هموم سارتر وإن كان نادرا ما يتناغم معه - عرض رؤية تقترب من مذهب ما بعد الإنسانية في عصرنا الحالي. يلمح بازان إلى أن روسيليني لا يقدم عالمه الشخصي الخاص، ولكن عالما ينتمي للتاريخ (أو للرب)، بنفس الطريقة التي يعطينا بها نيكولاس راي أو جون هيوستن منفذا إلى إحساس بوجارت، ويتيح لنا بريسون الشعور من خلالها ببرنانوس. ربما يكون بازان يستفزنا، حيث يرى أيضا أن المخرجين «يصفون» ما يسمحون بظهوره على الشاشة؛ ومع ذلك، ولكونه سرياليا أكثر منه سارتريا، فهو يعتبر المؤلف ناقلا لشيء خارج ذاته يتواصل معه. ألا يمكننا تسمية التسجيل التكنولوجي البسيط للضوء على الصفائح الفوتوغرافية نوعا من «الكتابة الأوتوماتيكية»؟ ربما تدرك الأفلام وتخرج من قبل كائنات بشرية لها أسماء مناسبة، لكن ما نراه على الشاشة ، وخصوصا في أكثر اللحظات إثارة، يمكن أن يتجاوز الإدراك والإخراج. لذا، قبل أن يكون فيلما لجون هيوستن، يقدم «الملكة الأفريقية» («ذي أفريكان كوين»، 1951) الحضور المبهج الذي تمتع به همفري بوجارت، وكاريزماه وأصالته. أدرك بازان بشكل يتجاوز هذا - أو على الأحرى، من تحت هذا - شيئا آخر يحدث في شريط السيليولويد، وهو الآثار التي ينتجها الضوء المنعكس من على وجه مألوف ولكنه فان ... التذكير الدائم والمرئي بغياب بوجارت وموته الحتمي.

ولذا، لمن ولماذا يمكننا نسبة دلالة الصور وأهميتها؟ هل نذكر فضل جون كاسافيتز في الاستعانة بممثلين مبدعين في فيلم «الظلال» («شادوز»، 1959)، بما أن تعبيراتهم التلقائية تجسد الفيلم حقا؟ وماذا عن العزف المنفرد الشهير لموسيقار الجاز، تشارلز مينجس، في الفيلم؟ بارتجاله وهو يشاهد نسخة أولية، هل صاحب هذا العازف الفذ «فيلما لجون كاسافيتز» وتممه بالأسلوب ذاته المشابه ل «أداءات» تلك الأفلام الصامتة؟ أم ينبغي أن نقول إن كاسافيتز أدخل بوق مينجس الآسر وسط نسق متكامل للأصوات والصور التي يأتي «توجيههم» الحاسم منه، أي المخرج، وحده؟

بحدود الوقت الذي كان كاسافيتز يعد فيه فيلم «الظلال»، وكان بازان يكون أعماله المجمعة، كتب رينيه كلير تقريرا عن تاريخ الشارات ومشكلتها.

32

يوسع طول الشارات المتزايد باستمرار (الذي لا يقتصر الآن على ما يسمى الطاقم الإبداعي، ولكن يشمل كل نظام الدعم الصناعي، وصولا إلى متعهدي الأطعمة) من مسئولية إنتاج أي فيلم، ويسخر من ادعائه بأنه فن. أراد كلير شارات أفلام مختزلة إلى ما يجذب المشاهد أو يساعده، وأن تكون بمنزلة البطاقة البسيطة التي توضع أسفل اللوحات في المتاحف. بدلا من ذلك، تحاكي الشارات الكتيب الذي يوزع في دور الأوبرا مفصلا «توزيع» الأدوار في استعراض معين، بالإضافة إلى الطاقم الإبداعي (وإن لم يكن يشمل عمال المسرح).

يشتهر كلير في مسيرته الإخراجية، بالتنظيم والتوجيه لكل بند محتمل يمكن أن يساهم في الإحساس ب «أفلامه». أدرك كلير أن الشارات، بوصفها مرشدا إلى إيقاع الفيلم ومزاجه، حينما تعرض، تبطئ من الصور المتحركة وتلوثها بالكلمات. ولأنها تأتي، كقاعدة، في بداية انطلاق الصور والأصوات ، فالمقصود منها هو تهيئة المشاهد لما سيأتي بعدها. يحضر في هذه اللحظة أمل لا نهاية له حينما تضيء الشاشة ويسمع أول ألحان الموسيقى التصويرية، ومن هنا يأتي الانتباه والمال اللذان وجها إلى مشاهد ما قبل شارة البداية، وإلى شارة البداية كذلك، التي يكلف بصنع صورها ورسوماتها اختصاصي، الطاهي المساعد (يذكر اسمه كذلك في الشارة) يمتلك خيالا خاصا. ثم يأتي بعد ذلك أول مشاهد الفيلم الدرامية؛ حيث يكون المخرج والمصور حرين على نحو لن يتكرر مرة أخرى خلال الفيلم.

يتعلم دراسو السينما مشاهدة أول 20 دقيقة من أي فيلم بتيقظ؛ لأنه في تلك الفترة تنطلق تجربة، وتبدأ في العثور على مسار تحليقها. تخيلوا هذه المرحلة المبكرة وكأنها حركة عشوائية مجرية تضبط نفسها في أنماط منسقة من النجوم والأنظمة الشمسية. تعبر سحب الغبار الكوني، وتصادمات الأجرام السماوية، وتفجر اللهيب غير المتوقع عن طاقة أولية قوية لدرجة تمكنها من الحفاظ على حركة هذه الأجسام حتى نهاية الزمن - بعد ساعتين. بمصطلحات فرويد، اللحظات الأولى مليئة بالتكثيف الخاص بالأحلام والإزاحة والتخيل الأولي. بعد قليل، لا بد أن تدخل هذه اللحظات في نطاق «التفصيل الثانوي»، ثم تخرج إلى نطاقات التأويل العام المفتوحة.

33

وبشكل متكرر، تبدأ شخصيات الفيلم بتأويله. بعد ذلك، سواء أكنا نقادا متمرسين أم مشاهدين عاديين يبحثون عن ساعتين من الإلهاء، فإننا سندخل ما شاهدناه وفهمناه ضمن ما ندركه ونفهمه، موطنين الفيلم داخلنا بأسهل ما يمكننا. لذا فإن مشاهدة فيلم ما تتبع سيناريو محبطا: يبدأ بالأمل، والاستثارة، والوعد بشيء جديد بالفعل، وينتهي بنا على قارعة الطريق وليس معنا سوى قصة أخرى، عادة ما تكون القصة نفسها، قصة يمكننا التحدث عنها، وتصنيفها، أو نسيانها ببساطة.

Shafi da ba'a sani ba