49

Mece ce Fim

ما هي السينما!: من منظور أندريه بازان

Nau'ikan

25

على سبيل المثال لم يعد المخرج البريطاني بيتر جريناواي يرضى بتكديس أنواع متنافرة من الفنون داخل الشاشات العريضة لأفلام مثل «كتب بروسبيرو» («بروسبيروز بوكس»، 1991) أو «زد وصفرين» («آ زد آند تو زيروز»، 1985). وإذ يقدم تعريفا جديدا «للسينما الموسعة»، تحتل صوره المتحركة مكانها في تركيبات بجانب اللوحات والمنحوتات. وبإصراره على الخطوة التالية، عرض جريناواي حتى صورا في مراكز المدن (في جنيف وبرشلونة)، صانعا أطرا لمناظر هنا وهناك ليرى المواطنون لمحة من جولاتهم اليومية. تحرر هذه الممارسة ذات الإلهام السريالي، العامة من أسر المتحف، فضلا عن دار العرض، حتى يمكنهم رؤية الصور عشوائيا أثناء تجوالهم خلال المساحات العامة.

إذا كان المتحف اختطف رسميا بنية الإحساس بالفيلم، بحيث يحتويها من أجل إسعاد جمهوره؛ فالكمبيوتر فعل شيئا مشابها من أجل المستخدمين الشخصيين. لا يشاهد الأفراد الأفلام على كمبيوتراتهم الشخصية بطريقتهم الخاصة وحسب، ولكنهم يشاهدونها في نافذة واحدة من بين بضع نوافذ قد تكون عاملة في اللحظة نفسها (ومنها نوافذ بريد إلكتروني، وقاعدة بيانات أفلام على الإنترنت، وملحوظات شخصية، ومدونة مفضلة، وحالة الطقس). تشكل السينما نوعا واحدا فقط من محتوى البرامج المتاحة لأنظمة تشغيل «ويندوز» القوية وعتاد الكمبيوتر الشامل. بطلب الفيلم من خلال خدمة «أون ديماند» أو عبر «يوتيوب»، يظهر فيلم على «لوحة مسطحة »؛ حيث يختار المشاهد بقدر عدد النوافذ المعروضة، ثم يسحبها ويحركها هنا وهناك مثل أوراق اللعب في لعبة «سوليتير». وتبدو كلمتا «المرقاب» و«العرض» أكثر ملاءمة من كلمة «شاشة» للإشارة إلى التجربة البصرية التي يقدمها الكمبيوتر.

من شأن هذا أن يكون تقييم ماساكي كوندو، الذي يميز، وفق تقليد مارشال ماكلوهان، كل وسيط بمقارنته بجهازه. يصف السينما بأنها شكل من أشكال «الحجرة المظلمة»، وهي جهاز بصري فسيح بما يكفي لاحتواء إنسان يجلس داخله متتبعا الصور التي يشكلها العالم على حائطه الخلفي، شبكيته.

26

يجلس المشاهدون داخل هذا المتسع، مثل السجناء في «كهف أفلاطون»، يحدقون للأمام في صور منعكسة، يعكسون عليها أفكارهم بدورهم. يتضاعف أثر هذا الصدى والتجاوب في السينما، كما يقول كوندو، بفضل التأخر الذي يحدث من لحظة تصوير الفيلم، إلى لحظة عرض الصور، والانتزاع من العالم المادي الذي حدث فيه التصوير إلى صالة السينما. يكتب كوندو إلى أي مدى تختلف تجربة السينما عن تجربة التليفزيون الذي تكون شاشته غير العاكسة رقيقة كصفحة جزيئات مفردة، والصورة ملصقة عليها. بالإضافة إلى ذلك، تربط شاشة التليفزيون المشاهد بالصورة في الوقت الفعلي بلا تأخير. تستلزم ألعاب الفيديو استجابة فورية. وفيما يخص التليفزيون، فإن نشرة الأخبار المسائية، وقناة الطقس، والبرامج الحوارية تخاطبنا كلها مباشرة في الزمن الحاضر. ويذكرنا هذا على نحو غريب بسينماتوغراف الأخوين لوميير التي كانت، بناء على نموذج «عروض التسلية» في القرن التاسع عشر، تقود ذهول المشاهد من خلال الكلام المباشر الذي يتحدث به منادي ساحة العرض أو الساحر.

27

على العكس، كما أوضحه مالرو في مقاله «المخطط»، وردده بازان، صممت حداثة السينما وفق حداثة الرواية، وانحرافها وكثافتها، وبعدها الإضافي المتعلق بالمتسع والزمان. شاشة كمبيوتر القرن الواحد والعشرين، مثلها مثل «سينماتوغراف» القرن التاسع عشر تماما، تقدم للمشاهد الحاضر، بصرف النظر عما يعرض فيه. أما السينما - الوسيط الذي سيطر على القرن العشرين ما بين هذين الاختراعين - فتجذب المشاهد إلى عالم آخر، ولقاء مع شيء ماض وبعيد المنال تماما.

على العتبة . «رسالة من امرأة مجهولة».

لم يفهم ناقد فني منذ زمن بازان هذا الجذب الذي يمكن أن تفرضه السينما أفضل مما فهمه سيرج داني. بعد تركه رئاسة تحرير «كاييه دو سينما» ليصبح ناقدا تليفزيونيا، وجد نفسه في موضع يمكنه من خلاله تحديد ما يمكن توقعه من كلا الوسيطين. في مراجعته اللاذعة لفيلم جون-جاك أنو «الحبيب» التي ذكرتها في الفصل الأول، كان داني قلقا من أن الأفلام بدأت في ترويج «الصورة الهزيلة» المصنوعة وفي الذهن جمهور التليفزيون، متجاهلة الزمن المرن الذي تتمتع به السينما.

Shafi da ba'a sani ba