Mece ce Fim
ما هي السينما!: من منظور أندريه بازان
Nau'ikan
بانتشار الشاشات الصغيرة بكل أشكالها، يتحكم المستهلك في التجربة. من وجهة نظر جودار، يعني هذا اضمحلال المجال العام البديل الذي كونته دور العرض خلال الجزء الأكبر من القرن العشرين. ومع أن دار العرض مجال لبث الأيديولوجيات ولا شك، فهي تسمح للسياسة الشعبية بالتطور؛ جمهور مجموع، وانتباهه مركز طوال ساعتين على رؤية للعالم؛ هي وجهة نظر شخص ما.
تتيح شبكة الإنترنت - أو حتى تبتكر - أشكالا جديدة من الانتماء والانشغال بالسياسة؛ أشكالا وثيقة الصلة بعالم فقدت فيه المواجهات على أرض الواقع وتظاهرات الشوارع جاذبيتها وقوتها. ما زالت الأفلام تخاطب المشاهدين - حقا، يخاطب المزيد من الأفلام المزيد من أنواع المشاهدين بقدر أكبر من ذي قبل - لكن كثافة التجربة السينمائية وتزامنها لم يعودا هما النموذج السائد. يسمي ريجيز دوبري التليفزيون «أداة التشتيت»؛ فبإضاءته من الداخل، يشع التليفزيون والكمبيوتر الضوء المنبعث من البيكسلات المهتزة؛ ولا يعكسان شيئا. ولأنهما نادرا ما يطفآن، فهما يبقيان - بلا مبالاة في غرف متنوعة من كل منزل - جزءا من البيئة مثل اللوحات الإعلانية على الطرق السريعة. إلى أي مدى يختلف هذا عن شاشة العرض السينمائي التي تصل إليها بعد أن تتجاوز ستارا أو بابا للعثور على مقعد في قاعة مظلمة. دار العرض السينمائي مساحة هائلة، أو مخيخ عملاق يتأمل داخله الناس الذين خطوا خارج حيواتهم صورا هي نفسها تأملات. حذر جون-لوي بودري ذات مرة من أن السينما هي نموذج حديث ل «كهف أفلاطون» حديث يحدق فيه الناس في الظلال مقيدين بسلاسل الأيديولوجيا. لكن لأن المشاهدين يختارون دخول هذا الكهف - بل يدفعون المال ليدخلوه - فبإمكانهم تحويل افتتانهم بالشاشة إلى نقاش بشأن ما يرونه منعكسا هناك: رؤية للعالم، وجهة نظر عن كيفية العيش فيه أو كيفية تغييره. هذا ما كان يعد به ذلك المجال العام.
قوة العرض
من المفهوم إلى العرض، تعد الأفلام «اختزالات» مدروسة للمعلومات، تركز من ثم ما تعرضه. المرادف الفرنسي لكلمة «بؤرة التركيز» هو التجلية؛ أي الوصول إلى التركيز السينماتوغرافي. لا يجد كل ما في النطاق المرئي طريقه إلى الشاشة، لكن ما يصل إليها يتميز بأنه ذو صلة. تسألون ذو صلة بماذا؟ الفصل التالي سيجيب: بأنه «ذو صلة بالموضوع»، بموضوع الفيلم، مهما يكن هذا مخططا من البداية بوضوح أو بضبابية. تعمل الأفلام على عرض موضوعها بالتخلص مما هو غير وثيق الصلة بذلك الموضوع، رغم أنه في بعض الحالات - أهم الحالات غالبا - يسمح بدخول عناصر عشوائية ومتناقضة بسبب أن موضوع الفيلم مسترسل، أو أنه هو نفسه متناقض بما يكفي لهذا الاسترسال. إن لم يكن بازان هو أول من فكر في السينما بوصفها مصفاة، فإنه أول من فعل هذا بطريقة نظامية.
الشاشة هي الواجهة التفاعلية الأخيرة بين المشاهد البشري والعالم المشاهد،
4
ليس العالم وهو نقي وبسيط، لكن رواسب العالم - لو أمكن قول هذا - حيث الآثار فيه مترسبة كقطع من الخام أو - باستخدام أحد التشبيهات التي يحبها بازان - كبرادة الحديد. هذه البرادة هي نفسها اختزالات فوتوغرافية غالبا ما تكون بالأبيض والأسود، ومصورة بعدسة أحادية بقوانين بصرية ثابتة، على النقيض من الخواص الرامشة لعين الإنسان المتحركة المتجسدة. يعوض صانع الفيلم هذه القيود بالتصوير من زوايا عدة، مكونا أرشيفا كبيرا من اللقطات الخام لموضوع الفيلم، لكن كل شيء سيزال فيما عدا نسخة العرض النهائية. ما يظهر على الشاشة، حينها، ليس شكلا خالصا من الواقع، ولا شكلا خالصا من السينما، ولكنه فتات من المعلومات الأولية الحسية، مشكل بالفكر والخيال، ومن أجلهما، في مواجهة موضوع ما.
يجب أن يكون خيال صانع الفيلم وفكره - أو وجدانه كما قال بازان - واضحين في جودة الاختيار الذي يصفي فتات المعلومات ذلك من أجل النسخة النهائية؛ لذا فالأسلوب ليس أمرا مضافا إلى الموضوع، ولكنه ينشأ بوصفه نمطا للاختزال والتشكيل المتناغمين. وكما يقول بازان، فإن الحس المرفرف فوق الفيلم مثل الحقل المغناطيسي هو ما ينظم ما هو موجود ليصبح شيئا له دلالة أخلاقية. أما المشاهدون فلا يستقبلون كل ما يعرض على الشاشة بقدر متساو؛ فلكونهم هم أنفسهم كائنات أخلاقية، فهم يصفون ما يصبح فيلما عند عرضه فقط. وكما تشير الكلمة نفسها، يتجاوز «العرض» ما تم تصويره وتنظيمه. لا يعني العرض بالضرورة رؤية أكثر مما هو موجود، ولكن الرؤية «عبر» ما هو موجود؛ لذا فإن أي فيلم يعرض - وهو نتاج مصفاتي الكاميرا والمحرر - يصبح في حد ذاته مصفاة فيما يخص المشاهد. والعرض يركز الرؤية لتجاوز ما هو مرئي إلى القدرة على الرؤية. وأحيانا ما يقال: للوصول إلى الخيالي.
توجد «الأفلام» في وقت يسبق العرض، وفي غياب العرض، لكن هذا لا ينطبق على اللقطات والصور المتحركة. حينما تكون الأفلام محفوظة في علبها، تبقى تسجيلا جامدا وساكنا للناس وللمواقف، سواء أصورت من العالم على اتساعه، أم اصطنعت في مواقع التصوير. لكن حينما تعرض فقط، تدب فيها الحياة بوصفها مشاهد متحركة، تتشكل في عقل كل مشاهد وتخاطب جمهورا.
5
Shafi da ba'a sani ba