كان «ابساماتيك»، فرعونا على مصر. تولى الحكم فيما بين 666-712 قبل الميلاد، وهو مؤسس الأسرة السادسة والعشرين، وكلمة «مؤسس»، تعني: إنه كافح أعداء، ونصب أهدافا، ودرس وحقق.
ولكنه كان رجلا خالص النية في خدمة وطنه أكثر مما كان ذكيا بصيرا بمستقبل بلاده، وكان أعداء مصر يحيطون بها، فمن الغرب غارات، ومن الجنوب غارات. وفى الشرق هزائم، والمستقبل مظلم والأمة مفككة، وولاء الشعب موزع بين الكهنة والعرش، والدسائس لا تنقطع.
وفكر الرجل في نية خالصة، وعزم حديد فيما أصاب مصر، وذكر تلك القرون الأولى حين كان «خوفو» يقول: شيدوا لي هرما، فما هي إلا سنوات حتى يراه ينطح السماء. وكان ابساماتيك يرى الأهرام كما نراها نحن الآن، وكان يقرأ التاريخ فيرثي لبلاده وضعفها.
وفكر، ثم فكر، وانتهى أخيرا إلى أن مصر لن يعود إليها مجدها الغابر إلا إذا رجعت إلى تقاليد هؤلاء الأسلاف، فأحيت الشعائر القديمة، ودرست نصوص الديانة القديمة، ونهضت بالفنون أساليبها القديمة، بل زاد على ذلك بأن عاد إلى سقارة حيث الأهرام، أي: حيث قبور الفراعنة من الدولة القديمة، فقال بوجوب العودة إلى دفن الفراعنة فيها.
وحسب ابساماتيك أن هذه نهضة، مع أنه كان يفصل بينه وبين خوفو من السنين مثلما يفصل بيننا نحن وبين ابساماتيك نفسه. «عودوا إلى القدماء».
كان هذا شعاره، وكان شعار الأفلاس؛ لأن مصر كانت في عصره أسمى مما كانت أيام خوفو كما يمكن أن نعرف ذلك مما قام به خلفه «نيخاو» الذي هيأ سفنا تدور حول أفريقيا، أين بناء الأهرام من مثل هذا العمل العظيم؟
إن ظروفا جديدة نشأت في الدنيا المحيطة بمصر، وكانت تحتاج إلى استنباط جديد.
ولم تكن تحتاج إلى الرجوع إلى الوراء نحو 2500 سنة تقريبا.
ولم تمض على مصر بعد ذلك مئة سنة حتى كان الأعداء من الأشوريين والفرس يكتسحونها ويغتالونها، ولم ينفعها شعار: عودوا إلى القدماء. •••
فيما بين سنة 500 وسنة 1000 استولى الظلام على أوروبا.
Shafi da ba'a sani ba