عندما نقرأ كتب التاريخ الأوروبية نجد أخبارا صغيرة تطفو على تيارات الحوادث نفطن منها إلى الدخائل المستورة في الاتقاء الأوروبي وتطور الثقافة، ونلمح فيها عقول العرب وأيديهم.
فمن ذلك مثلا إننا نجد أن الأوروبيين كانوا يرحلون إلى مدن الأندلس كي يتعلموا فيها كما يرحل أبناؤنا هذه الأيام إلى مدن أوروبا لمثل هذه الغاية.
ثم هناك أيضا هذه التهمة التي كان يتهم بها المفكرون مثل «روجر بيكون» فإن هذا الراهب الذي قال بالتجربة العلمية ودعا إلى الاختراع والإيمان اتهم بالإسلام؛ لأن المسلمين كانوا في ذلك الوقت دعاة للعلوم، فكانت كل فكرة جديدة تعزى إليهم ويتهم قائلها بالكفر لهذا السبب، أي: إنه لم يكن مسيحيا مخلصا، إذ هو قد أخذ بعادات المسلمين في التفكير، ولا بد أنه آمن كذلك بدينهم.
حتى جاء «جان دارك» التي حاربت الإنجليز وطردتهم من فرنسا، عندما قالت بأنه يجب ألا يكون هناك وسطاء بين الإنسان وربه «مثل الكهنة» اتهمت أيضا بالإسلام، إذ ليس في الإسلام كهنة.
وكلنا يعرف قصة «روجر الثاني» ملك صقلية الذي استخدم العالم الجرافي المسلم الإدريسي، فإنه استقدمه من إفريقيا الشمالية وكلفه تأليف كتاب في الجغرافيا كما كلفه أيضا أن يصنع له كرة تمثل الأرض، وقد صنعها له من الفضة، وهذا في الوقت الذي لم يكن الأوروبيون يسلمون فيه بكروية الأرض.
وإلى هذا أيضا يجب أن نذكر عشرات الكتب العربية التي ترجمت أي: اللغة اللاتينية التي كانت لغة الثقافة إلى القرن السادس عشر.
وقد كان العرب فيما بين سنة 700 وسنة 1300 ميلادية أرقى الأمم في العالم كله بلا استثناء، وعلة ذلك إنهم كانوا يملكون البحار، وكان البحر المتوسط أقرب إلى أن يكون بحيرة عربية من أن يكون مجازا للملاحة الدولية، ثم كان المسلمون من العرب وغير العرب، يقطنون أقاليم متراحبة من الصين شرقا إلى المحيط الأطلنطي غربا، وهذا التراحب جعلهم يختلطون بالكثير من الأمم ويعرفون الكثير من الصناعات والتجارات.
ولنضرب مثالا على ذلك موسى بن ميمون الفيلسوف المصري اليهودي أيام صلاح الدين، فإنه كان يقيم في القاهرة، وكان له أبناء يتجرون بالجواهر وغيرها فيما بين الهند شرقا والأندلس غربا.
وأعظم ما يرقى بالثقافة ويزيد المعارف، ويحرك النقد بالمقارنة هو الاختلاط بين الأمم؛ ولذلك كانت الأمم العربية، لاتساع رقعة الأقطار التى كانت تسكنها، ولاختلاطها بالعديد من الأمم، على اتصال بالثقافات وعلى اختمار وتطور لا ينقطعان.
ونستطيع أن نقول إن هذا الاتساع العربي كان أحد الأسباب، بل ربما أعظم الأسباب، للنهضة الأوروبية التي انفجرت في القرن الخامس عشر، ذلك أن العرب نقلوا إلى أوروبا أربع وسائل للثقافة هي: (1)
Shafi da ba'a sani ba