Bayan Zamani: Gabatarwa Ta Kankanin Lokaci
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
جون فاولز، «عشيقة الملازم الفرنسي»، (1969)
يؤدي هذا الأسلوب إجمالا إلى شتى أنواع المفارقات الجادة التي تنبع من الشخصيات التي تظن أنها حرة بينما نراها نحن في ضوء معرفتنا السابقة خاضعة إلى حد كبير لوجهات النظر (وبالطبع إلى الخطابات) السائدة في عصرها. تعكس الرواية قدرا كبيرا من الوعي الذاتي والانعكاسية والنسبية والشكوكية يلبي رغبات أي قارئ ما بعد حداثي؛ ففي وسعنا كقراء أن نتوحد مع الشخصيات ونتعاطف معها (كما يحدث عادة في الروايات الواقعية)، وفي الوقت نفسه نرى الشخصيات من الخارج ونحكم عليها (من وجهة نظر معاصرة ساخرة غير ملائمة). وفي نهاية الرواية، يطرح «المؤلف» - ناظرا إلى بطله الجالس في عربة قطار - على القارئ نهايتين مختلفتين.
أما المشهد الافتتاحي في رواية جوليان بارنيز «تاريخ العالم في عشرة فصول ونصف فصل» (1989)، فيقدم وصفا لسفينة نوح على لسان حشرة من نوع قمل الخشب (فصيلة «أنوبيوم دوميستيكوم») لديها معرفة واسعة على ما يبدو بالتاريخ الحديث. من منظور الحشرة، فإن السفينة أشبه بالسجن وقصتها الإنجيلية ليست سوى أسطورة. ومن ثم، تقدم الرواية قصة تشككية ساخرة تدور أحداثها حول قصة أخرى، تروى من قاع السفينة: «لم نكن ندري شيئا عن الخلفية السياسية للأحداث. كان غضب الله على مخلوقاته خبرا جديدا بالنسبة إلينا، لقد زج بنا في المسألة دون إرادة منا.» وهو أمر يتفهمه الكثيرون. يدفعنا أسلوب الرواية - بينما تتفاعل قصصها البالغ عددها عشر قصص ونصف قصة بعضها مع بعض - إلى مواصلة البحث عن أحداث تتشابه (على نحو ساخر) مع التاريخ السياسي الحديث (إذ تصور الكثير من الأحداث صعود مجموعات مهمشة اجتماعيا إلى متن سفينة تتعرض للغرق أو للهجوم). ورغم أن الحشرة في الرواية لا تقبل أي «رواية رسمية» للأحداث، فإنها تعتقد أن «سفر التكوين» يضطهد الثعابين، وأن النموذج الذي يتبعه نموذجا داروينيا على أي حال، فالخطة التي وضعها الله لجمع الحيوانات على السفينة لم تكن فعالة على الإطلاق، فقد نسي - على سبيل المثال - حقيقة أن بعض الحيوانات بطيئة الحركة بعض الشيء:
على سبيل المثال، كان ثمة حيوان كسلان يتمتع بهدوء غير مسبوق - كان مخلوقا رائعا بشهادتي الشخصية - ما إن نزل إلى قاعدة الشجرة التي يسكنها حتى جرفته أمواج الانتقام الإلهي العظيمة، فلم تبق له أثرا على وجه البسيطة. بم تسمي ذلك، انتقاء طبيعيا؟ عن نفسي، أعتبره نقصا في الكفاءة الاحترافية.
إن قملة الخشب تمثل العامل، وهي صوت المقهورين الذي ينتقد الرؤساء وخطابهم المهيمن وظواهر أخرى كثيرة في هذا الكتاب المذهل في إبداعه. فنوح وعائلته لا يمانعون تناول الأنواع الحية الغريبة على سطح هذا «المقهى العائم» (أو «سفينة الفضاء التي تدعى الأرض»). وسرعان ما تبدو السفينة أشبه - على الأرجح - بمعسكر اعتقال؛ حيث يكن سام إعجابا ب «فكرة نقاء الأعراق». يتداخل كل من الإنجيل والأسطورة والتاريخ والعلم ومجالات أخرى كثيرة في مسارات تهكمية ساخرة غير مرتبة زمنيا ضمن ما يبدو لنا هجوما شديدا على الإنجيل أو الأسطورة أو السياسة، حال اعتبر أي منها تفسيرات أيديولوجية. تتسم بقية الفصول في الرواية بنفس درجة التعقيد وتطرح ملخصا بارعا لآراء ما بعد الحداثة حول التاريخ، لكن (كما في أعمال أبيش) دون إضفاء هيبة «النظرية» عليها بالطبع.
إن الأعمال المماثلة لذلك:
لا تلمح فحسب إلى أن كتابة التاريخ لا تختلف عن كتابة الروايات - حيث ترتب الأحداث ترتيبا خياليا كي تكون نموذجا للعالم - بل إن التاريخ في حد ذاته يمتلئ مثل الأدب بحبكات مترابطة تتفاعل على ما يبدو بمعزل عن التخطيط البشري.
باتريشيا ووه (1984)، «القص الماورائي»
في هذه الحالات، يسمح الكتاب للسرد الخيالي - حسب مبادئ الشكوكية الفلسفية التي لخصناها سابقا - بفرض سيطرته؛ لأنه يؤمن بأن التاريخ - كما عرضنا سابقا - مجرد قصة أخرى خاضعة لرغباتنا وتحيزاتنا النمطية، وتشكل حتما - على يد بارنيز متقمصا شخصية قملة الخشب أو فاولز لاعبا دور المؤلف/النبيل الفيكتوري - وفقا لقوالب الحبكات الخيالية السائدة داخل المجتمع المنبثقة عنه.
ليس من المستغرب إذن أن تحمل الرواية قدرا غير متكافئ من عبء الانتماء إلى فكر «ما بعد الحداثة»، بما أن «خطاباتها» المعتادة حتى الآن - فيما يخص علاقة المؤلف بالنص، وما تتسم به من عملية خلق ليبرالية أو «فردية برجوازية» لشخصيات موحدة، وعلاقتها بالحقيقة التاريخية - تجعلها عرضة لنقد ما بعد الحداثة في الكثير من أجزائها. فقد انتقلنا من الحرفية والتحكم في الشكل الروائي، واحترام الاستقلالية والفردية، وادعاءات القدرة التفسيرية التاريخية التي تميز الرواية الحداثية - ويتجلى جميعها على سبيل المثال في كتابات جويس عن مدينة دبلن أو كتابات فوكنر عن الجنوب الأمريكي - إلى وصف هزلي مفكك ومراوغ، يتسم بالوعي الذاتي، ويتعمد تقديم وصف زائف في كثير من الأحيان لشخصيات قد توجد على عدة مستويات في آن واحد، بحيث تفتقد أي شكل من أشكال الاتساق النفسي المعقول. لا تحاول رواية ما بعد الحداثة خلق وهم واقعي مؤكد، بل تفتح أبوابها لشتى أنواع الحيل الخادعة؛ كالتلاعب السردي، والقوالب النمطية، والتفسيرات المتعددة بكل ما تستدعيه من التناقض وعدم الاتساق اللذين يشغلان مكانة رئيسية في فكر ما بعد الحداثة. إن التنظير الداخلي في تلك الروايات واستعدادها لكشف أساليبها الشكلية للقارئ هي سمات ما بعد حداثية نموذجية لا نجدها في الرواية فحسب، بل أيضا في الأفلام، مثل اقتباس جودار لأسلوب بريخت من خلال إقحام لافتات إرشادية أو نص داخل الفيلم، وكذلك في الفنون المرئية التي غالبا ما كانت «تتمحور حول ذاتها» في هذه الحقبة.
Shafi da ba'a sani ba