Bayan Zamani: Gabatarwa Ta Kankanin Lokaci
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
غني عن القول بالطبع أن التاريخ وكتابة الروايات وصناعة الأفلام والعلم وإعداد التقارير الإخبارية «الواقعية»، استمرت على نفس النهج في عصر نظرية ما بعد الحداثة؛ إذ تمتعت بمستوى عال من القبول العام؛ ومن ثم لا بد أن الكثير ممن جذبتهم النظرية والفن ما بعد الحداثي قد وجدوا أنفسهم عالقين بين عالمين معرفيين متناقضين.
إن هذه المعركة بين أتباع ما بعد الحداثة وغيرهم في مجالات الفلسفة والنظرية وبين التاريخ والعلم، تتمحور في الأساس حول مزاعم التوحيد في مواجهة الأقوال المتناقضة، والتضاد بين البناء التعاوني والتفكيك الفردي. إلا أن كلا من الجانبين يحتاج الآخر؛ إذ عارض بعد الحداثيين بناء على أسس تحررية جميع التفسيرات الشمولية (حتى وإن أعادوا الاعتراف بها على نحو مستتر عن طريق الترويج لنقاشات تتعاطف مع تلك التي طرحها فرويد وماركس)، وكان لنقدهم السلبي المعارض ما بعد الحداثي - كما سنرى لاحقا - تأثير تحرري هائل في كثير من جوانبه، لا سيما على النساء والأقليات الثقافية والكثير من الاتجاهات الفنية الطليعية. الأقرب إلى الواقع أن أفكار فنان ما قد ينظر إليها بوصفها ضربا من «العبث»، لكن الأمر لا ينطبق على أفكار المؤرخين والعلماء، وبالتأكيد المحامين، الذين لا يسعهم مطلقا تطبيق شكوكية ما بعد الحداثة على قانون الإثبات، أو على فكرة أن المحاكم أنشئت بطريقة أو بأخرى كي تحدد حقيقة أو أرجحية روايتين مختلفتين لما حدث بالفعل.
طبقت أساليب ما بعد الحداثة النقدية تطبيقا أكثر نجاحا بمراحل على المشكلات الاجتماعية والأخلاقية؛ إذ أدت - على سبيل المثال - إلى «هدم» «الادعاء الكبير» لسلطة الرجال ومقاومة النساء لهيمنتها. وسأنتقل الآن إلى تلك القضايا السياسية والأخلاقية.
الفصل الثالث
السياسة والهوية
بالفعل، كان في وسعي أن أصبح قاضيا، لكني لم أتعلم اللغة اللاتينية قط، لم أتعلمها قط بالقدر اللازم لممارسة القضاء، ببساطة لم أتعلمها بالقدر الكافي لاجتياز اختبار القضاة القاسي؛ إذ تعرف تلك الاختبارات بقسوتها. كان الناس يخرجون مترنحين من لجنة الاختبار قائلين: «يا إلهي، يا له من اختبار قاس!» وهكذا أصبحت عامل منجم.
بيتر كوك، مسرحية «ما وراء الحافة» (1961)
تهتم أهم نقاشات ما بعد الحداثة الأخلاقية بالعلاقة بين الخطاب والسلطة. يعني مصطلح «خطاب» هنا مجموعة من العبارات المتداخلة الداعم بعضها بعضا، التي تطورت على مر التاريخ، وتستخدم لتعريف موضوع ما ووصفه؛ أي ببساطة شديدة، الخطاب هو اللغة المستخدمة في المجالات الفكرية الرئيسية، والتي تتجسد - على سبيل المثال - في «الممارسات الخطابية» في القانون والطب والتقييم الجمالي وغيرها. إن تلك الخطابات - حسبما يستخدمها المحامون والأطباء وغيرهم - لا تقبل ضمنيا بوجود نظرية مهيمنة كي ترشدها فحسب (وهي التي قد تتخذ - على سبيل المثال - شكل نموذج تحليلي كالذي يستخدمه أولئك المشتغلون بالعلوم التقليدية)، بل تتضمن كذلك أنشطة تثير جدلا سياسيا، لا لكونها تعرف الناس وتصفهم وصفا قاطعا - كأن تحدد من «المهاجر» أو من «طالب اللجوء السياسي» أو «المجرم» أو «المجنون» أو «الإرهابي» - لكن لأن تلك الخطابات تعبر في الوقت ذاته عن «سلطة» مستخدميها السياسية.
السجين :
لست مذنبا يا سيدي، والرب يحكم علي.
Shafi da ba'a sani ba