Bayan Zamani: Gabatarwa Ta Kankanin Lokaci
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
الشكوكية والأيديولوجية
إن التفكيكية - على قدر تعمقها الأكاديمي وانشغالها بذاتها في معظم الأحيان - دعمت توجها عاما نحو المبادئ النسبية في ثقافة ما بعد الحداثة؛ إذ تركت أتباع ما بعد الحداثة غير مهتمين إلى حد كبير بالتأكيد والإثبات التجريبي في العلوم. وغالبا ما اعتبروا ذلك منهجا ملوثا جراء ارتباطه بالتحالف الصناعي العسكري وباستخدام العقلانية التكنولوجية الجامدة من أجل تحقيق السيطرة الاجتماعية ... إلى آخره. ويبدو كذلك أن أتباع ليوتار ودريدا نزعوا إلى الإيمان ب «القصص» بدلا من النظريات القابلة للاختبار. إن أتباع ما بعد الحداثة - بعدما تخلوا عن إيمانهم بكل من الفلسفة والتاريخ والعلم التقليدي («الواقعي») تحت تأثير الفكر الفرنسي - تحولوا أكثر فأكثر إلى واضعي نظريات تفسر آليات العمل (الخادعة) داخل «الثقافة»؛ ومن ثم فإن معظم الأمثلة التي أعرضها هنا على تطبيق الأفكار السياسية والفلسفية لما بعد الحداثة مستقاة من الفنون.
ينظر فكر ما بعد الحداثة إلى الثقافة باعتبارها تضم عددا من القصص المتنافسة على الدوام، التي لا يعتمد تأثيرها على مخاطبتها لمعيار حكم مستقل، بل على مخاطبتها للمجتمعات التي تدور بها، مثل الإشاعات في أيرلندا الشمالية. توضح شيلا بن حبيب أنه من منظور أتباع ليوتار:
انتهى عهد الضمانات الغيبية للحقيقة، فلا مكان لقابلية القياس وسط الصراع الأليم بين ألاعيب اللغة، ولا لمعايير تحدد حقيقة تتجاوز النقاشات المحلية، بل لا يوجد سوى الصراع اللانهائي بين ادعاءات محلية تتنافس فيما بينها على حيازة الشرعية.
شيلا بن حبيب، «تحديد موضع الذات»، (1992)
من ثم، تنغمس ما بعد الحداثة في نظرية معرفية انتقادية إلى حد بعيد، تعادي أي مذهب سياسي أو فلسفي شامل، وتعارض بشدة تلك «الأيديولوجيات المهيمنة» التي تساعد في الحفاظ على الوضع القائم.
رغم ذلك، دمج الكثير من أتباع ما بعد الحداثة أسلوب دريدا النقدي ضمن أيديولوجية هدامة ذات إطار بناء؛ إذ رأوا أن إبراز إخلاص بعض الأفراد غير المتعمد لموقف متناقض (مثل موقف تنيسون) يشبه إلى حد كبير ما انشغل به ماركس وفرويد؛ إذ ادعى ماركس أن العمال يعيشون في حالة من «الوعي الزائف»، فهم يقبلون النظرية البرجوازية التي تزعم أنهم يقدمون جهدهم «طوعا» إلى السوق كأفراد مستقلين، لكنهم في الحقيقة أسرى نظم محددة اقتصاديا تعادي طبقتهم. كان المنظرون الماركسيون في تلك الحقبة يعرفون ذلك يقينا (بعيدا تماما عن مصطلحات فلسفة دريدا) باسم «علاقات القوة الحقيقية». وبالمثل، قد يزعم أتباع المدرسة الفرويدية أن الصراع بين الأنا العليا (التي تلتزم بالمعتقدات المقبولة اجتماعيا) ورغبات اللاوعي السرية أو المكبوتة (حيال التعبير الجنسي على سبيل المثال) سيؤدي حتما إلى تناقضات داخلية، يمكن قراءتها من منظور دريدا. وهكذا، لدواعي المفارقة، ربط العديد من أتباع ما بعد الحداثة أنفسهم بأيديولوجيتين محل جدل شديد وذواتي طبيعة شمولية لا محالة، من القرن التاسع عشر، في خضم تركيزهم على مفهوم التناقض الخفي.
بالطبع، يمكننا إبراز تلك التناقضات الداخلية الهادمة للأيديولوجية دون أن نزعم في الوقت نفسه أن لدينا حلا بديلا وشاملا لمشكلات المجتمع. وفي وسع المرء تحليل المتناقضات كي يشير إلى وجود توتر اجتماعي دون أن يطرح ضمنيا حلا ماركسيا أو فرويديا عاما؛ وذلك عبر دعم الأطروحة التي عرضناها آنفا، التي تزعم أننا حال نظرنا إلى جميع الأنظمة اللغوية سنجدها تحتوي على تناقضات؛ لأنها في الأساس أنظمة مجازية. وكما هو متوقع، أعجب النقاد الأدبيون والثقافيون بهذا الجانب من حركة ما بعد الحداثة أيما إعجاب؛ إذ في وسعهم الانكباب على دراسة أي نوع من المواد، وليس فقط تلك النصوص - ولا سيما القصائد، أو الحقب التاريخية، مثل الحقبة الرومانسية - التي تتجلي تناقضاتها للعيان. وكان من السهل تطبيق الأساليب التفكيكية في الفلسفة على المناهج الهادمة للمجاز والملاحقة للتناقضات في النظرية الأدبية، التي غالبا ما يعطي لها أولئك النقاد أهمية زائفة ومدعاة؛ ففي أعمال دو مان وهيليس ميلير وغيرهما من أتباع دريدا المتمركزين في جامعة ييل، نجد اهتماما كبيرا ومفعما بالحيوية ب «فن الجدال» المحبط للذات في الأعمال الأدبية وغيرها من الأعمال، ولا سيما عبر تحليل مجازاتها الخفية، على النحو الموضح أعلاه؛ ومن ثم، كان ينظر إلى الأعمال الأدبية على أنها تعاني عجزا حتميا نابعا من المعاني الضمنية المتناقضة داخل المجاز؛ مما أسفر عن أهم ما في الموضوع؛ وهو تجريدها من أي علاقة جادة بالتاريخ ومن أي مزاعم مؤكدة حول قضايا الحقيقة التجريبية. وبهذه الطريقة، أدت الفلسفة الكامنة خلف التفكيكية إلى توسع هائل في الاهتمام بالنظرية الأدبية، التي أضحت قضاياها تهيمن على مدارس كاملة في النقد الأدبي.
إن أفضل دفاع تجاه هذا النوع من النقد ، وأفضل طريقة لإبراز كون المرء مطلعا على آخر المستجدات ومنها هذا الاتجاه - سواء عند كتابة الفلسفة أو وضع النظريات، أو الإبداع الفني - هي أن تتمتع بالتأكيد بقدر كبير من الوعي الذاتي فيما يتعلق بموقفك، وأن تجمع المتطلبات المناسبة المرتبطة به. إن هذا «الانعكاس» الواعي بالذات - الذي كان أحد أعراضه اللجوء المتكرر إلى اللغة الاصطلاحية - كان البعض يعتبره الخاصية المميزة للفلسفة في ظل وضع ما بعد الحداثة. وهكذا، نلاحظ في كم كبير من أعمال ما بعد الحداثة نقدا ذاتيا أو نكوصا انعكاسيا مكتوبا بالحرف في ثنايا «النص». وهو ما يتضح في أفلام جودار، التي تعتبر وفقا للمنظر الماركسي فريدريك جيمسون:
أفلاما ما بعد حداثية صميمة، من حيث تصورها لذاتها باعتبارها نصا خالصا، أو عملية إنتاج صور غير ذات محتوى حقيقي، وهي - من هذا المنظور - شكل خارجي محض أو سطحية مجردة. إن هذه القناعة هي التي تفسر الانعكاس المميز لأفلام جودار، وتصميمها على استخدام الصور استخداما معاديا لذاتها كي تدمر الوضع الملزم أو الثابت لأي تصور.
Shafi da ba'a sani ba