وبعد أيام يجتمع مجلس الجامعة برئاسة حسين باشا رشدي فيعرض الرئيس على المجلس نتيجة الاتصالات مع وزير المعارف، ويذكر لهم أن الوزارة قد أبدت استعدادها لضم الجامعة إليها، وهي ستتكفل في هذه الحالة بموازنة ميزانيتها وتمكينها من الموارد اللازمة لها، كما أنها ستعترف بشهاداتنا.
رشدي باشا يلاحظ أن طه حسين، الذي ساهم في هذا المسعى، سيكون هو نفسه معرضا لكثير من المضايقات إذا أصبحت الجامعة حكومية؛ هناك مشكلة الكشف الطبي وشروط الاستخدام في الوظيفة التي سيطالب باستيفائها، وهذه مشكلة مقدور عليها، ولكن هناك أيضا ما أثارته المقالات التي كتبها في الصحف من سخط وغضب لدى كثير من الجهات، إن حديثه عن الأمة وأنها - هي وحدها - مصدر كل السلطات قد أغضب السراي، ومقالاته التي اعترض فيها على التعويضات الضخمة التي كانت إنجلترا تطالب بدفعها للموظفين البريطانيين المستغنى عنهم بعد الاستقلال قد أغضب الإنجليز، وكذلك أغضبهم احتجاجه العنيف على إهمال لقب ملك مصر والسودان في دستور 1923. ويقول رشدي باشا: «إن الجامعة هي التي أذنت لطه حسين بالكتابة في الصحف، ويحسن الآن أن تشترط على الحكومة احترام تعهداتها نحو موظفيها، كما يحسن التأكد من أنها سوف تحتفظ باستقلالها وشخصيتها المعنوية وبحقها في إدارة شئونها بنفسها، تحت إشراف وزارة المعارف نعم، ولكن بكيفية مستقلة كما هي الحال في جامعات أوروبا.»
ويذكر رشدي باشا أن الإنجليز قد أرسلوا في شهر مارس الماضي مذكرة إلى الدول الأجنبية ينبهونها بها إلى أن علاقة إنجلترا «الممتازة» بمصر ما زالت قائمة، وأن التدخل في شئون مصر من أي دولة سيكون عملا غير ودي بالنسبة لبريطانيا، ويقول: «إن الإنجليز يعتبرون أنفسهم مسئولين عن الأجانب حسب التحفظات الأربعة الشهيرة، وهم - على هذا الأساس فيما يظهر - مهتمون بمناصب العمادة في الجامعة إذا أصبحت حكومية؛ يريدون أن يحتفظ بها للأجانب.»
ويعلق أحد الأعضاء بأن هذه المناصب لا بد أن يشغلها المصريون كلما وجد المصري الكفء ليشغل منصبا منها، ويقول المدير: «إن أستاذا مثل طه حسين كفء لشغل مركز وكيل كلية الآداب، أو حتى عميدها، ولكن قد تكون الحكمة الآن في تأجيل ذلك منعا لاصطدام الإنجليز بالحكومة.»
ويقول أحد الأعضاء بهذه المناسبة إن العالم العربي كله قد تابع باهتمام وإعجاب كبيرين مقالات طه حسين في الأدب العربي، ويسأل: «ألا يحسن أن يترك الآن تدريس التاريخ القديم ليصبح أستاذا للأدب العربي؟»
ويتم إعداد عقد إلحاق الجامعة بالحكومة متضمنا أن «تكون الجامعة المصرية معهدا عاما محتفظة بشخصيتها المعنوية وتدبير شئونها بنفسها بكيفية مستقلة، تحت إشراف وزارة المعارف العمومية، كما هو الحال في جامعات أوروبا.»
وكذلك: «أن تحترم تعهدات الجامعة المصرية نحو أساتذتها وموظفيها الحاليين، أما فيما يتعلق بالدكتور طه حسين فقد رئى - نظرا لحالته الشخصية - أن يبقى أستاذا بكلية الآداب.»
ويقرر مجلس الجامعة تأليف لجنة لتحضير نظام الجامعة الداخلي الجديد، ويعين لطفي السيد وطه حسين عضوين فيها.
وفي 12 ديسمبر 1923 يمضي رشدي باشا بالنيابة عن الجامعة عقد إلحاقها بالحكومة.
5
Shafi da ba'a sani ba