وتقول سوزان في رقة: «نعم، في إقليم سافوا، في سنة 1926، أذكر ذلك، كان هونيجر قد كتب مقطوعته «جوديت»، وكنت قد أحضرت أسطوانتها لك؛ لأنك ...»
ويقول طه: «لأنها كانت سنة 1926، وكانت الأصوات التي أسمعها في مصر لا تطربني، وكنت مضطرا إلى الصمت، كنت ... كنت مثل «هيلين كيلر» لا أستطيع الكلام، كنت مضطرا ألا أتكلم، خوفا على الجامعة التي كان يراد لها أن تخنق في المهد، كنت مثل هيلين كيلر لا أتكلم، ولكني كنت أسمع.»
وتقول سوزان: «على ذكر هيلين كيلر، هل تعرف أنها صرحت بعد مقابلتك بأن يوم مقابلتها لطه حسين كان أجمل يوم من أيام حياتها؟»
ويقول طه: «وأنا كتبت لها قصيدة وأرسلتها إليها.»
وتقول سوزان: «لم تخبرني.»
ويرد طه: «كانت كلمة شكر في الحقيقة. الآن سنعود إلى مصر الجديدة، والأصوات التي سنسمعها في مصر ستبعث فينا النشاط وتملأ نفوسنا رضا إن شاء الله، وسنتكلم، سنتكلم الآن بصراحة وبوضوح، سنتكلم لأن هذا هو واجب كل رجل من رجال الفكر، ولأن قادة مصر الجديدة سيرحبون، فيما أرجو، بآراء المفكرين، ويطلبون، فيما أرجو، سماعها في صراحة ووضوح وباستمرار، لن يصدهم الحكم عن سماع أصوات المفكرين.» ثم يسأل - في شيء من الشك - بعد لحظة صمت: «أم ترى سوف يصدهم الحكم يوما عن سماع أصوات المفكرين؟» •••
في مصر، في أوائل أغسطس عام 1952 تظهر جريدة الأهرام وفيها مقال لطه حسين عن الثورة تقرؤه جماعات مختلفة، في الجامعة، وعلى مقهى من المقاهي، وفي القرية، وغير ذلك من الأماكن.
طه حسين يقول في مقاله إن ما تم في يوليو 1952 كان ثورة ولم يكن انقلابا ولا حركة مباركة أو غير ذلك، إنه يؤمن أن الجيش قد استجاب للمطالب الحقيقية للشعب في الخلاص من حكم الفرد وفي العمل لإنهاء الاحتلال.
ويقرأ طالب في الجامعة هذه الفقرات من المقال: «وأخص ما تمتاز به الثورة الأصيلة الخصبة أنها تفكر بالأمس لتمحو سيئاته، وتفكر في اليوم لتصلح شئونه، وتفكر في الغد لتبني فيه مستقبل الشعب على أساس صالح متين.» «وتفكيرها في الماضي يهيئ لها طريق العظة والاعتبار، وتفكيرها في الحاضر يمهد لها طريق العمل والإنتاج، وتفكيرها في الغد هو الذي يحقق لها الإنتاج الخصب ويقيم الدليل على أنها لم تكن شيئا طارئا، أثارته الشهوة ودفع إلى الهوى، ولم تكن سطحية جاءت اليوم لتذهب غدا كما تجيء الأحداث العارضة وتذهب، وإنما كانت صدى صادقا مخلصا لصيحة صدرت من أعماق نفس الشعب وضميره، وكانت مظهرا لتفكير عميق، عكف عليه قوم أولو حزم وعزم، يعرفون مصادرهم ومواردهم، ويحققون في نفوسهم ما يريدون، لا يأتون شيئا إلا عن إرادة وروية وأناة، ولا يدعون شيئا كذلك إلا عن إرادة وروية وأناة.» «وما أشك في أن ثورتنا هذه القائمة هي ثورة أصيلة، لا يكفيها أن تسقط حكومة وأن ينفى ملك، وإنما سقوط الحكومة ونفي الملك عندها وسيلة لإصلاح أعمق وأكمل وأشمل.» •••
وفي مديرية المنيا يقرأ بعض المتعلمين مقالا آخر لطه حسين في جريدة الأهرام أيضا: ... إن ثورتنا إذن صادقة، تصور طموح الشعب إلى الحياة الكريمة النقية، وأمل الشعب في المستقبل الكريم المجيد، وهي من أجل ذلك ثورة إصلاح شامل عميق بأدق معاني هذه الكلمات، وهناك نواح مختلفة لهذا الإصلاح الشامل العميق: ناحية الإصلاح السياسي، ولست أعرض لها الآن.
Shafi da ba'a sani ba