106

معالي الوزير

أعددتم قانون جامعة الإسكندرية وتقدمتم به إلى البرلمان واستصدرتموه في نفس الأيام التي كان كل إنسان يظن بالأحداث والخطوب فيها الظنون، وافتتحت الدراسة في كليات الجامعة في نفس الوقت الذي بدأت فيه موقعة «العلمين». ووجد الأساتذة والطلاب والموظفون من إقدام الحكومة على هذا العمل الخطير مشجعا أزال عنهم الخوف، ومحا من نفوسهم التردد، ودفعهم إلى العمل جادين مستبشرين.

والشيء الذي ليس فيه شك هو أن إنشاء الجامعة وانتقال من انتقل إليها وإقبال من أقبل عليها من الأساتذة والطلاب والموظفين، قد أشاع في مدينة الإسكندرية حياة جديدة لم تألفها منذ عهد بعيد، فقد كانت الإسكندرية مدينة عمل ومال وكانت الحياة العقلية فيها ضئيلة مقصورة أو كالمقصورة على البيئات الأجنبية، فتغير هذا كله بإنشاء الجامعة الجديدة، ووجدت في المدينة بيئة علمية ممتازة تشارك في جميع فروع المعرفة الإنسانية مشاركة تظهر الآن متواضعة، ولكنها ستقوى وتشتد على مر الأيام، ولا سيما حين تنتهي الحرب وتستأنف المواصلات بيننا وبين العالم الخارجي.

وإنه لمما يؤلم حقا أن يلقى عبء هذا كله على الدولة، فقد كان استقبال الأغنياء لهذه الجامعة أفلاطونيا، منهم من رضي عن إنشائها ومنهم من تنكر له بالقول أو بالعمل ومنهم من لم يحفل بها ولم يلتفت إليها، كانت الجامعة تنتظر من المصريين عامة ومن أهل الإسكندرية خاصة أن يعينوها على كثير من الأشياء لا ينبغي أن تطلب كلها إلى الحكومة، فهناك دراسات معينة تتصل بمدينة الإسكندرية في كليات مختلفة، منها ما يتصل بتاريخها ومنها ما يتصل بحياتها الصناعية والتجارية ومنها ما يتصل بموقعها من البحر الأبيض المتوسط، وكل هذه الدراسات يجب أن ينشئها الإسكندريون بأموالهم إن كانوا يحبون مدينتهم حقا.

وقد بلغت الجامعة الناشئة ما بلغت من النمو والاتساع لأن هذه طبيعة الحياة للمعاهد العلمية الكبرى، وقد مضت أمور هذه الجامعة كما استطاعت أن تمضي، ولكنها منذ الآن لا تستطيع أن تواجه حياتها الخصبة المستقبلة إلا إذا فرض لها من ينهض بأمرها ويواجه مشكلاتها الكبيرة والصغيرة مواجهة يومية متصلة، فأنا ألح في الإسراع باختيار مدير لها يقف وقته وجهده على تدبير أمرها لا يشغله عن ذلك شيء آخر، وألح بالطبع في أن يكون شخصا غيري من رجال التعليم. •••

ويسافر طه حسين إلى لبنان في أول أغسطس يلتمس الراحة، ويتوافد عليه أدباء لبنان ومفكروه تدور بينه وبينهم الأحاديث فتمتد إلى حديث الحرب، ثم إلى حديث الدعاية التي أتقنها الألمان والتي يحاول الحلفاء أن يباروهم فيها.

يقول طه حسين: «كان الناس في أول هذا القرن يعجبون بتأثير الدعاية في أمور التجارة، ولكن ذلك التأثير لم يعد يقتصر على الترويج لما يباع ويشترى بل أخذ يروج لما يقرأ وما يكتب، وللآراء السياسية ومذاهب الناس في الحكم، وللحكومات القائمة وللأحزاب المختلفة، وبلغت الدعاية في هذا العصر طورا لم نكن نقدر أنها ستبلغه، بسبب المطبعة التي سهلت النشر، والصحف التي انتظم ظهورها شهريا وأسبوعيا ويوميا.»

ويضيف أحد الأدباء اللبنانيين: «والسينما والراديو.»

ويقول طه حسين: «والسينما والراديو، ألغت مسافات الزمان والمكان وأصبحنا خاضعين للإعلام فيما نقرأ وفيما نسمع وفيما نرى.»

يقول الأديب اللبناني: «واجب أن نقاوم آثار هذه الدعاية.»

Shafi da ba'a sani ba