Luther Muqaddima Qasira
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
صورت العديد من الرسوم لوثر كراهب ثوري يعلق أطروحاته الخمس والتسعين على باب كنيسة قلعة فيتنبرج في 31 من أكتوبر عام 1517، لكن لوثر نفسه لم يرو أنه ارتكب هذا العمل المعارض ... يعود وصفه وهو يعلق الرسائل على باب الكنيسة إلى فيليب ميلانكتون، الذي لم يشهد تلك الأحداث وسجل تلك الواقعة بعد وفاة لوثر، لكن في عام 1961، شكك المؤرخ الروماني الكاثوليكي إروين إيزرلوه في تعليق هذه الأطروحات. وقد أثار تحديه اعتراضات العلماء البروتستانتيين، وما تزال هناك محاولات لإثبات تعليق لوثر لتلك الأطروحات، حتى إن لم يكن قد فعل هذا إلا للدعوة إلى إعلان مناظرة. وقد اكتشف مارتن تروي عام 2006 كتابات (تعود إلى عام 1544) خطها جورج رورار مساعد لوثر على عجل، زعم فيها أن لوثر علق الأطروحات على أبواب كنائس فيتنبرج عشية يوم عيد جميع القديسين في عام 1517.
أثار نقد لوثر اللاذع مشاكل لم يكن يتوقعها؛ إذ أرسلت أطروحاته إلى روما على يد رئيس الأساقفة ألبرت، مطران مدينة ماينتس، الذي كان يتربح أيضا من صكوك الغفران التي خصصت أموالها لكاتدرائية سانت بيتر في منطقة نفوذه. وسرعان ما غطت قضية السلطات البابوية على قضية صكوك الغفران، واستدعي لوثر عام 1518 إلى روما، إلا أنه سافر بدلا من ذلك - بناء على طلب ناخب ساكسونيا فريدريك - إلى مدينة أوجسبورج؛ حيث أمر الكاردينال توماس كاييتان بأن يدفعه إلى إنكار آرائه، لكن لوثر رفض التراجع عنها، وعندما طالب كاييتان بتسليم لوثر إلى السلطات أو نفيه من ساكسونيا، رفض الناخب فريدريك ذلك، وحسمت المسألة؛ فأصدر البابا ليو العاشر أمرا رسميا يدعم التعاليم البابوية عن صكوك الغفران، ودافع رجال الدين الذين يدينون بالولاء للبابا عن أصول السلطة البابوية السماوية. ونشأ جدل حول هذا الصدد في مدينة لايبزيج في عام 1519 بين لوثر وجون إيك، الذي استفز الأول للدفاع عن هس وصار أعند خصومه. وفي بداية عام 1520، أعيد فتح قضية لوثر مجددا في روما، وهدد لوثر في يونيو بحرمانه كنسيا بأمر رسمي بابوي، أحرقه هو ومؤيدوه في ديسمبر، وأعقب ذلك مباشرة أمر رسمي بحرمانه كنسيا في 3 من يناير عام 1521.
كان لوثر قد حشد في غضون هذا الوقت قطاعا عريضا من المؤيدين، وألف الكثير من الكتابات باللغة الألمانية واللاتينية، فجعلته منشوراته باللغة الألمانية عن القرابين المقدسة والصلوات من الكتاب المشهورين في شئون الدين في وقت قصير. وحتى أطروحاته الخمس والتسعين، فقد نشرت في أرجاء ألمانيا وقرأتها جماعات الإنسانيين، الذين عدوا تجارة صكوك الغفران أداة بغيضة استغلت بها روما أتقياء ألمانيا. وفي عام 1520، عندما تناول لوثر هذا الاستغلال الذي تمارسه الكنيسة الرومانية وإساءاتها الأخرى في مقاله «خطاب إلى النبلاء المسيحيين»، زاد التأييد السياسي له. وبحلول ذلك الوقت كان يلقى دعما وتأييدا من زملائه في هيئة التدريس، وأيضا من متبعي المذهب الأوغسطيني؛ فقد اشترى كارلشتادت جميع نسخ أعمال أوغسطين التي كانت قد نشرت لتوها في مدينة بازل، وأشعل الجدل الذي دار بين لوثر وإيك في مدينة لايبزيج بطرح 380 نقطة تتحدى حجج الأخير. كما صحب نيكولاس فون آمسدورف - وهو من زملاء لوثر الأوائل الذين انضموا إلى الإصلاحيين - لوثر إلى مدنية لايبزيج، وحضر اجتماع المجلس الكنسي بفورمس. وقدم فيليب ميلانشتون إلى فيتنبرج عام 1518 لتعليم اللغة الإغريقية، ولم يلبث أن انضم إلى مؤيدي لوثر. وكان ميلانشتون العالم الأبرع بينهم جميعا، وكان مناصرا للحركة الإنسانية من الأجيال الشابة التي أيدت حركة الإصلاح الديني.
علاوة على تمتع لوثر بالدعم من مصادر خارجية، صار أيضا إصلاحيا بفعل تجليين تبينا له ونبعا من حياته ودراساته. اتضح التجلي الأول له قبل مجلس فورمس، فيما تبين له الثاني فيما بعد في قلعة فارتبورج، وأصبح الأول الأساس العقائدي لحركة الإصلاح الديني، ويشار إليه في العموم باسم «تجلي حركة الإصلاح»، على الرغم من أن لوثر لم يتحدث عنه بالتفصيل حتى العام السابق على وفاته. ووفقا لما رواه عندما تذكر هذا التجلي، أدرك أخيرا بعد محاولات عديدة ما الذي عناه الرسول بولس عندما كتب إلى أهل رومية (17:1) أن بر الله أو عدله يتجلى في الكتاب المقدس وليس في الناموس. وبما أن الآية السابقة على هذه الآية عرفت البشارة - التي تعني حرفيا الخبر السار - بأنه قدرة الرب التي خلصت المؤمنين، فلم يستطع لوثر أن يتفهم كيف يكون عدل الرب خبرا سيئا؛ بمعنى كيف يكون معيار البر، الذي حاول تحقيقه دون طائل، مخيفا. فلم تكن المشكلة عقائدية وحسب بالنسبة للوثر، بل كانت شخصية أيضا، وبدا حلها له وكأنه ميلاد جديد، فهو يقول:
بدأت أرى أن بر الرب يعني أن الأبرار يحيون بهبة منه، وهي البر السلبي الذي يرانا الله من خلاله أبرارا كما ورد: «أما البار فبالإيمان يحيا.» (حبقوق 4:2). شعرت بأنني ولدت من جديد، وبأنني دخلت الجنة من أوسع أبوابها.
الإيمان المقصود هنا هو الثقة في وعود الرب التي تحققت بيسوع المسيح. ونظرا لأن الإيمان حل محل الصوم والحج والصلوات إلى القديسين والقداسات الخاصة، وغيرها من الطرق التي بر بها مسيحيو العصور الوسطى الرب وتقربوا إليه، لم تنتقص رؤية لوثر من أهمية النظام اللاهوتي السائد وحسب، بل من أغلب مظاهر التقوى التي ميزت المسيحية في العصور الوسطى.
أشارت السير القديمة للوثر إلى اكتشافه ما عناه الرسول بولس بالبشارة باسم «تجربة البرج» الخاصة بلوثر؛ لأن هذا الاكتشاف ربما يكون قد حدث في برج الدار الأوغسطينية في فيتنبرج. وفي كتاب «أحاديث المائدة»، ذكر أن لوثر قد حدد المكان الذي وصل فيه إلى هذا الاكتشاف في برج الدار وفي حمام الدير. ويفسر بعض العلماء، الذين يؤثرون إعطاء تفسير مرتبط بالتحليل النفسي، كلمة حمام بأنها تشير إلى دورة مياه الدير، وصوروا مشهدا يربط اكتشاف لوثر بالتنفيس أو الراحة الجسمانية والعاطفية، لكن الأبحاث الأخيرة في هذا الصدد انصرفت عن فكرة تجربة البرج على وجه العموم. ويؤكد لوثر في نهاية روايته لمشهد الاكتشاف على الوقت الطويل والجهد الذي بذله لفهم الكتاب المقدس، وليس أنه وجد الإجابة فجأة. ولعل دورة المياه كانت رمزا يحقر الحياة الدنيا بوجه عام، أو رمزا لعذاب العيش دون أمل في إرضاء الرب.
ثاني تجل للوثر وصف في خطاب وضح به لوثر لأبيه أسباب رفضه للنذور الرهبانية. بدد هذا الخطاب، الذي كتبه لوثر في فارتبورج في نوفمبر من عام 1521، الندم الذي شعر به لوثر إزاء إفساد خطط والده له، فيما يتعلق بالزواج والعمل باتخاذه قرارا بالرهبنة. كان لقاء لوثر الصعب بأبيه عقب القداس الأول له قد أثقل كاهله، ولكنه الآن، وفقا لما كتبه، أدرك أن خيبة أمل أبيه لم تكن إلا تعبيرا عن حرصه على ولده الذي أحبه، وأنه أدرك أن والده كان محقا؛ وكان يتعين عليه أن يطيع الوصية الرابعة التي تنص على أن يكرم والديه. لكن نظرا لأن والده لم يستطع أن يستدرجه إلى ترك الدير، تدخل الرب ليحرره ويجعله مخلوقا جديدا «لا يتبع البابا بل المسيح»، غير أن هذا ليس كل شيء، فقد آمن لوثر أنه دعي لقيادة حركة ستجلب الحرية التي صار يتمتع بها لغيره من الأبناء؛ فكتب إلى والده معربا عن ذلك قائلا:
آمل أن يكون المسيح قد انتزع منك أحد أبنائك ليأخذ بيد العديد من أبنائه الآخرين، وأنا واثق أنك لن ترتضي هذا وحسب - كما ينبغي لك - بل ستسر بهذا سرورا عظيما!
حثت هذه الدعوة لوثر على تحدي ناخب ساكسونيا فريدريك والعودة إلى فيتنبرج ليضطلع بقيادة حركة إصلاح وليدة، شكلت فيما بعد حركة الإصلاح الديني الأوروبية.
Shafi da ba'a sani ba