واحتضنها كما لم يحتضنها من قبل، وقبل جبهتها وخديها وانصرف. وتركها في نفسها مشاعر ليست غريبة عليها، ولكنها لا تريد أن تصدقها. •••
نزل إلى الشارع وبحث عن تليفون، ووجده عند بائع سجائر، وكلم والدته: نينا. - أين أنت ؟ - أنا في الشارع. - ما لك؟ خير؟ أنت قلت إنك ستتأخر؟ - اسمعي ولا تستغربي. - خير، خوفتني؟ - ليس هناك شيء مطلقا، ولكني أريد أن أرى أبي. - ماذا به؟ هل سمعت عنه شيئا؟ - من أين أسمع؟ التليفون بجانبك، ولو كان هناك شيء لا قدر الله لعرفت أنت قبلي. - أنا لا أفهم. - أتأتين معي إليه؟ - الآن؟ - الآن. - كيف ستذهب؟ - سأستأجر سيارة. - أمرك عجيب. على كل حال، وما له، خذني معك. - هذا فعلا أحسن. - لكن يا عزام الامتحان اقترب وهذا ليسانس، وأخشى أن يغضب أبوك الحاج. - إنه سواد الليل وبكرة نتغدى هنا في مصر. - الأمر لله، وتقول لي لا تستغربي. - ستعرفين كل شيء هناك. - هناك؟! - هناك. •••
حين وصل إلى بيت أبيه في البلدة كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة بدقائق، وتعجب الحاج عبد المجيد، ولكن حين رأى ابنه وزوجته سالمين لم يمس مشاعره قلق. انفرد بهما فورا، ولم يتمهل عزام، بل سارع قائلا: أبي، أريدك أن تخطب لي. - أخطب لك! من؟ - مجيدة طبعا. وهل يمكن أن أخطب إلا مجيدة؟
وازداد تعجب الحاج: تجر أمك في عز الليل وتأتي إلي الساعة الحادية عشرة من مصر لأخطب لك مجيدة! - ولم لا؟ - وهل علمت أنها ستخطب الليلة إلى أحد آخر؟ - طبعا لا. - الكل يعلم أنها لك وأنت لها. - أعرف. - فما هذا الهبل الذي تصنعه؟
وكأنما كان عزام في غمرة وأفاق. ماذا صنع؟
وماذا يقول لأبيه الآن وهو يعلم أن أباه يعهده دائما عاقلا متزنا لا يأتي شيئا في غير روية وتفكير.
أيقول له إنه وجد نفسه في لحظة حاسمة من حياته أن عليه أن يختار بين أن يكون إنسانا ذا قيمة في المجتمع يحترم إنسانيته، وما وهب الله له من عقل ومن حرية في الاختيار، وبين أن يكون إنسانا يبحث عن المتعة وحدها.
أيقول له إنه أحب تلك الصلة بينه وبين نرمين، وخشي أن يتمادى فيها فيحس دائما أن ضميره غير راض عنه، فهو من نفسه في عذاب، وهو من متعته في هناء. وإنه أراد الليلة وفورا أن يختار الهناء النفسي لا الهناء الحسي.
أيقول له إنه يعد نفسه لأن يكون قاضيا، وإن القاضي إذا لم يكن شريفا في داخله فهيهات له أن يكون شريفا في أحكامه.
ماذا يقول؟ أطرق طويلا ثم رفع رأسه إلى أبيه: أنا آسف يا بابا. - لا بد أن تكون آسفا. - فعلا آسف.
Shafi da ba'a sani ba