246

Asirin Ishtar

لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة

Nau'ikan

57

وهنا يستوقفنا لقب «ملك السنة» الذي يطلق على كبش الفداء في الطقس التيبتي، ويحضر في ذاكرتنا طقوس قتل الملوك الذين تتجسد فيهم روح إله الطبيعة المستعد للموت من أجل تجديد دورة الطبيعة. ولعلنا نستطيع الافتراض ببعض الثقة أن ملك السنة كان في بداية ظهور الطقس بديلا للدالاي لاما كاهن التيبت وملكها، وأن الملك نفسه كان في الفترات الأقدم عهدا هو موضوع القربان حامل الخطايا ومجدد روح الطبيعة في آن معا.

وفي ثقافة الإغريق نجد حشدا من الأمثلة على الكبش البشري؛ فعلى سبيل المثال كان الأثينيون يحتفظون بعدد من الأرقاء عديمي الفائدة والقيمة العملية لأوقات الأزمات، حتى إذا أرادوا صد شر وباء أو كارثة محدقة، أخرجوا اثنين من هؤلاء وضحوا بهما فداء عن الجميع. وفي بعض الأوقات، كانت هذه التضحية تتم دوريا في كل سنة حيث تقاد الضحيتان خارج أسوار المدينة وترجمان بالحجارة حتى الموت. وفي تراقيا القريبة من بلاد اليونان، كانت مدينة إبديرا تطهر نفسها سنويا بقتل كبش فداء بشري رجما حتى الموت، وقبل قتل الضحية كان يعلن أمامها وعلى مسمع من الجميع أنها تموت لكي تحمل وحدها خطايا الناس جميعا.

58

وفي روما القديمة كان طقس الفداء البشري يقام في أول ليلة قمر كامل تعقب رأس السنة الرومانية، التي تبدأ في الأول من شهر آذار (مارس). ففي تلك الليلة كان يتم اقتياد رجل يرتدي الملابس الجلدية في موكب يخترق شوارع المدينة، وخلال المسيرة يقوم أفراد الموكب بضرب الرجل بعصي طويلة بيضاء حتى يصلوا به أطراف المدينة، حيث يلقون به خارجا ويطلقون عليه اسم «مارس القديم».

59

ومارس هو اسم لأول شهور الربيع، وبنفس الوقت اسم للإله الروماني المعروف بإله الحرب. ولعل إلقاء مزيد من الضوء على شخصية هذا الإله يساعدنا على فهم خفايا هذا الطقس الروماني وأصوله البعيدة. فالإله مارس لم يكن في مطلع عهده إلها للحرب؛ بل إلها للخصب وفصل الربيع وتكاثر القطعان، وكانت عبادته مقدمة على عبادة جوبيتر الذي صار فيما بعد رئيسا للبانثيون الروماني. وتروي الأسطورة أن أمه قد أنجبته دون لقاح من ذكر، بل من لقاء بينها وبين زهرة خرافية، ولم يتحول مارس إلى إله للحرب إلا في الفترات الرومانية المتأخرة، حيث نزعت عنه خصائص الخصب وأعطيت إلى آلهة أخرى، ولكن اسمه بقي مع ذلك يطلق على أول شهور الربيع.

60

من هنا نستنتج أن كبش الفداء الروماني الذي يضرب في شوارع المدينة تحت اسم مارس القديم، ثم يرمى به خارجا، لم يكن في بداية عهده سوى ممثل لإله الخصب الذي يموت في كل عام لضمان دورة الزراعة. كما نستطيع أن نستنتج أن إله الخصب كان يلعب في الوقت نفسه دور كبش الفداء حامل الخطايا، فعنده قد اجتمع الطقسان المستقلان في طقس واحد، فإذا كان لا بد من موت إله الخصب، فلماذا لا يتم تحميله في الوقت نفسه كل آثام الجماعة وشرورها وخطاياها ليخلصهم منها في كل عام. هذا الدور المزدوج لإله الخصب، رغم عدم وضوحه في ديانات الخصب في شكلها المتأخر وديانات الخلاص المتفرعة عنها، إلا أنه متضمن في الموقف النفسي للمشتركين في الاحتفالات الدينية السنوية. فالبكاء الحقيقي الصادر من أعماق القلب والتفجع، ليس فقط حزنا على الإله الميت وندبا لموته، بل ينطوي على أبعد من ذلك، إنه نوع من الإحساس بالخطيئة والاعتراف بها، والندم عليها، وتحويلها إلى الإله ليحملها معه ويريحهم منها.

أخيرا، يكتمل إرث الشكل والقالب القديم لمعتقد الخلاص الجديد، إذا عرفنا أن يسوع المخلص إنما يموت في صفة الملك. نقرأ في إنجيل يوحنا: «فقال له بيلاطس: أفأنت إذن ملك؟ أجاب يسوع: أنت تقول إني ملك؛ لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي. قال له بيلاطس: ما هو الحق؟ ولما قال هذا خرج أيضا إلى اليهود وقال لهم: أنا لست أجد فيه علة واحدة. ولكم عادة أن أطلق لكم واحدا في الفصح. أفتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود؟ فصرخوا جميعهم قائلين: ليس هذا، بل باراباس. وكان باراباس لصا» ... «وكان استعداد للفصح، ونحو الساعة السادسة، فقال لليهود: هو ذا ملككم، فصرخوا: خذه ... خذه اصلبه» ... «وكتب بيلاطس عنوانا ووضعه على الصليب، وكان مكتوبا: يسوع الناصري ملك اليهود.»

Shafi da ba'a sani ba