Asirin Ishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Nau'ikan
وفي إنجيل يوحنا نقرأ: «وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا إليه فقال: هو ذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم.»
53
وفي إنجيل يوحنا أيضا: «... فقال لهم واحد منهم وهو قياف، وكان رئيسا للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئا، ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة بأسرها. ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيسا للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط، بل لجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد.»
54
إن فكرة الإله القتيل حامل الخطايا هنا، رغم تفردها في المضمون والغايات، فإنها تحمل أيضا تاريخا طويلا من معتقد الإنسان وطقسه. وسنقوم فيما يأتي برسم صورة عن الزقاق القديمة التي صب فيها هذا المعتقد الجديد.
اعتقد الإنسان القديم بإمكانية التخلص من آلامه وأحزانه وآثامه وسوء طالعه وما إلى ذلك، عن طريق تحويلها إلى موضوع خارجي قد يكون إنسانا، أو جمادا، أو حيوانا، وذلك كما ينقل الواحد ثقلا ماديا ليضعه على كاهل الآخر. ونستطيع متابعة هذا الاعتقاد في ممارسات الإنسان وطقوسه عبر أزمنة وأمكنه مختلفة. ففي بعض أجزاء جنوب الهند يتم نقل خطايا الميت إلى عجل صغير يؤتى به ليقف عند رأس جسد المسجى، ثم يقوم كبير القبيلة بتلاوة لائحة الآثام التي ارتكبها بطريقة ترتيلية قائلا: لقد ارتكب كذا وكذا ... وإنها لخطيئة. فيردد الجمع المتحلق حول المتوفى: إنها لخطيئة. ثم يضع يده على رأس العجل فتنتقل الخطيئة من الميت إلى الحيوان، ثم يتابع ترتيله ويتابع الآخرون الترداد وراءه، حتى ينتهي من تلاوة الاعترافات نيابة عن الميت، فإذا انتهى أحنى رأس العجل، ووضع كفي الميت عليه ليتطهر من بقايا ذنوبه، ثم يقول بصوت عال: تستطيع الآن أن تلجأ إلى قدمي ربك الطاهرتين. أما العجل فيطلق ليهيم على وجهه في البراري بعد أن ترسم عليه علامة معينة، ويمنع على من يلتقي به أن يستخدمه لأي غرض دنيوي؛ لأنه قد غدا مقدسا. وهم يعتقدون أنه لن يلبث طويلا حتى يختفي ويتلاشى. وفي أجزاء أخرى من الهند، كان المهراجا وزوجته يتخلصان من آثامهما بنقلها إلى أحد المجرمين المحكومين، الذي كان يشتري حريته بالتطوع لهذه المهمة. وكان طقس نقل الخطايا يتم على الوجه الآتي: تنصب للشخصيتين الملكيتين منصة خشبية يوضع المتطوع تحتها، ثم يصعد إليها المهراجا وزوجته وهما في أبهى حلة وأفخر ثياب، فيسكب فوقهما ماء يغسلهما، ويتسرب من بين شقوق المنصة ليبلل المجرم القابع تحتها، ناقلا بذلك خطاياهما إليه. وفي طقس آخر يتطوع أحد رجال البراهما الصالحين ليحمل خطايا المهراجا وهو في نزعه الأخير، فيأتي إلى سريره ويعانقه قائلا: إنني أحمل عنك أيها الملك كل خطاياك وآثامك. فإذا أسلم الروح تم إبعاد حامل خطاياه إلى ما وراء حدود المملكة، ولا يسمح له بالعودة بعد ذلك.
55
وجرت العادة لدى بعض قبائل النيل الأبيض في أفريقيا، على أن تقوم بعض العائلات باقتناء بقرة مقدسة تحتفظ بها إلى أوقات الأزمات العامة، فإذا حلت بالقبيلة شدة أو انتشر وباء، قام زعيم القبيلة باختيار إحدى هذه البقرات لتحمل عن القرية آلامها، عند ذلك تأتي نساء القرية بالبقرة المقدسة فيسقنها بين بيوت القرية بيتا بيتا، ثم يدفعنها عبر النهر إلى الشاطئ الآخر، حيث تترك نهبا للوحوش الضارية، حاملة معها المصائب والرزايا. ولدى بعض قبائل أفريقيا الشرقية، إلى وقت متأخر من القرن التاسع عشر، كانت تسود عادة التضحية بكبش فداء بشري يحمل عن القبيلة خطاياها. فكانوا يحتفظون بالرجل المفرد للقربان مدة من الزمن يجري خلالها تغذيته والعناية به على أكمل وجه، حتى إذا حل الموعد المضروب، سيق في طرقات القرية وقد أخفيت ملامحه بطبقة من الأصباغ، فيتزاحم الجميع حوله واضعين أيديهم عليه، لينقلوا إليه آثامهم وأمراضهم وسوء طالعهم. ثم يؤخذ إلى المعبد حيث يذبح، فإذا تصاعدت أناته وحشرجاته ارتفعت أصوات المجتمعين، خارجا بصرخات الفرح والتهليل؛ لأن موت القربان البشري سيعطيهم راحة الضمير وسكينة النفس.
56
وفي التيبت، كان نقل الخطايا إلى كبش فداء بشري، يتم دوريا مع مطلع كل سنة جديدة، حيث يلقي الناس عن كاهلهم شرور السنة القديمة، ويتقون مجهول السنة القادمة. فكانوا في عيد رأس السنة يأتون بالرجل المخصص للفداء ، فيدهن وجه بالأبيض والأسود، ويلبس ثوبا من جلد ويطلق عليه اسم «ملك السنة». ثم يأخذونه إلى أزقة المدينة وأسواقها، حيث يسير بين الناس وبيده ذيل ثور أسود يهزه فوق رءوس المتقاطرين إليه من كل مكان، فيأخذ إليه خطاياهم وحظوظهم العاثرة. بعد ذلك يوضع على حصان أبيض وينطلقون به إلى جبال جرداء قريبة، بين صراخ الناس وشتائمهم وطلقات البنادق والسهام الموجهة نحو الأعلى، هناك يوضع الرجل في كهف مهجور، ويمنع من مغادرة المنطقة حتى موعد رأس السنة القادمة، حيث يأتون إليه مرة أخرى، فإن وجدوه ميتا اختاروا شخصا جديدا كملك للسنة، وإن وجدوه حيا اقتادوه لتمثيل الدور نفسه.
Shafi da ba'a sani ba