Asirin Ishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Nau'ikan
فإن جل معلوماتنا عنها مستقى من أشكالها الغربية. ولعل أهم ما تميزت به هو طقوس العبور
initiation
المفروضة على المريد الجديد الذي يستعد للانضمام إلى حلقة الجماعة الناجية، وهذه الطقوس تبدأ بنوع من التطهير المادي الذي يعكس استعداد المريد إلى تطهير روحه من كل ما علق بها في مراحل حياته السابقة، وتجهيزها للمرحلة الجديدة. يلي ذلك طقس الموت الرمزي والبعث، حيث يتم تمثيل موت المريد ثم إفاقته من الموت، وذلك كناية عن فناء نفسه القديمة وانتعاش نفسه الجديدة المستعدة لتقبل الخلاص. وهنا تنتهي مرحلة العبور الأولى إلى أسرار الخلاص. ولكن مراحل أخرى في انتظار المريد قبل أن يصل إلى مرتبة العارف، ولكل مرحلة طقوسها الخاصة التي تؤمن عبوره إلى المرحلة التي تليها، وتعطيه معرفة جديدة وتفتح قلبه وروحه على عوالم نورانية جديدة. والمعرفة هنا ليست ذلك النوع من المعارف العقلية التي تقدمها المدارس الفلسفية لتلاميذها، بل هي عرفان نابع من الداخل، وخبرة روحية ليس لها معادل من كلمات مرصوفة، خبرة يحصلها المريد بجهده وكدحه وتوجيه من سبقوه في الطريق. فالأسرار ليست تعاليم دينية وعبادات، وطقوسها ليست هدفا بحد ذاتها بل أدوات.
تقدم لنا الأسرار الإليوسية (نسبة إلى إيليوسيس، المقر الرئيسي لعبادة الإلهة ديمتر في اليونان) نموذجا عن الأسرار العشتارية القديمة الصافية. وقد انحدرت الأسرار الديمترية من فترات موغلة في القدم سابقة على الحضارة الإغريقية، وورد أول ذكر مكتوب لها في ترتيلة هيوميرية تقول: إن الأسرار الديمترية قد أسست من قبل الإلهة نفسها، وأن المشاركين في تلك الأسرار هم المباركون الذين تفتح هذه الطقوس أمامهم بوابة الخلود.
5
وفي نص من مطلع القرن الرابع ق.م. نقرأ: لقد وهبت الإلهة ديمتر للبشرية شيئين عندما حلت في إيليوسيس؛ الأول نتاج الحقل الذي حول الإنسان عن حال الحيوان، والثاني طقوس الأسرار التي جعلتنا ننظر بأمل إلى نهاية الحياة.
6
إن معجزة نمو النبات من باطن الأرض وتناوب الدورة الزراعية بين الموت والحياة ليس إلا نموذجا للمعجزة المقبلة؛ معجزة بعث الأرواح بعد الموت ورفعها إلى العوالم النورانية. لقد أخذ الإنسان ثمار الأرض من يد الموت، من هاديس إله العالم الأسفل الذي أشرنا سابقا إلى أن اسمه يعني «واهب الخيرات»، ومن يد زوجته بيرسفوني التي ليست إلا ديمتر في وجهها الأسود الآخر. ومن يد الموت أيضا سوف تعطي له ديمتر الحياة، عن طريق الطقوس السرية والخبرة التي يمر بها المشاركون في تلك الطقوس.
عرفت بلاد الإغريق نوعين من الطقوس الديمترية هما: الطقوس الصغرى والطقوس الكبرى. كانت الطقوس الصغرى تقام في كل عام احتفالا بعثور ديمتر على ابنتها وصعود بيرسفوني من العالم الأسفل، وكان يغلب على هذه الطقوس طابع احتفالات الخصب. أما الطقوس الكبرى فكانت تتم مرة كل خمسة أعوام وهي مخصصة لديمتر المخلصة وأسرارها الإليوسية. فكان موكب المشاركين في الطقوس الكبرى ممن تم اختيارهم لدخول أسرارها والعبور إلى حلقة خاصة عبادها، ينطلق من أثينا مشيا على الأقدام في طريق طويل إلى إيليوسيس. وعند المرور قرب البحر كان المشاركون ينزلون في الماء لتطهير أنفسهم رمزيا من حياتهم السابقة، والاستعداد للحياة الجديدة التي تنتظرهم، كما كانوا يطهرون بالماء خنازير جاءوا بها معهم فيقدمونها قربانا للإلهة. وفي إيليوسيس تبدأ طقوس العبور بعدد من الطقوس التمهيدية؛ منها تناول شراب خاص، وأكل نوع من الكعك المصنوع من الدقيق، وتمثيل دراما اختطاف بيرسفوني وعودتها ثانية. أما ما تبقى من الأسرار فقد بقي أمرا غامضا إلى يومنا هذا؛ لأن المشاركين فيها قد حاذروا دوما من البوح بحقيقة ما كان يجري هناك،
7
Shafi da ba'a sani ba