Asirin Ishtar
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
Nau'ikan
إن قصة هرمافورديت هذه، تعيد إلى الأذهان لمحات من حياة وخصائص بعض الآلهة الأبناء؛ فنشأته في جبل إيدا هي نشأة ديونيسيوس وزيوس الكريتي ابن الأم الكبرى للحضارة المينوية اللذين ترعرعا في نفس الجبل المقدس. وولعه بالصيد والقنص هو تكرار لولع أدونيس صياد جبل لبنان. وهو في خنوثته يعادل أتيس وأوزوريس المخصيين. والأعمال التشكيلية التي تمثله تذكرنا ببعض تماثيل ديونيسيوس التي تظهره بأثداء كاملة، وتماثيل ورسوم كل الآلهة الأبناء التي تؤكد على ليونة الجسد ورقته، لا على قوته وصلابته. ولا تشذ عن ذلك تماثيل ورسوم السيد المسيح التي أبدعها عصر النهضة في أوروبا. إن هرمافروديت، في تفسيرنا، هو أدونيس نفسه. ولعل في تمثال أفروديت ذات اللحية الذي كان موضع عبادة وتقديس كبيرين في قبرص
54
توكيدا لتفسيرنا هذا. ففي هذا التمثال يندمج أدونيس وأفروديت في شخصية واحدة، ويتجلى الأقنومان في هيئة واحدة تجمع خصائص الذكورة والأنوثة.
طقوس أدونيس
كانت طقوس أدونيس الرئيسية تقام في عيده السنوي، الذي اختلف توقيته من مكان إلى آخر؛ فبعض المناطق السورية كانت تحتفل به في الصيف، وأخرى في الربيع. أما في مصر واليونان، فكانت احتفالات «الآدوينا»، وهي التسمية الإغريقية لأعياد أدونيس تقام في الصيف. يشير هذان التوقيتان إلى أصل الإله أدونيس كروح للقمح القتيل، وإلى تطوره اللاحق كروح للإنبات بشكل عام؛ ففي فينيقيا كانت النساء تصنع دمى من شمع أو طين مشوي تمثل الإله القتيل، فتضعها عند مداخل البيوت وتتحلق حولها بثياب الحداد، فتبكي وتندب وتضرب صدورها، وتنشد أغاني حزينة على أنغام الناي. كما كانت صور أدونيس تحمل في مواكب جنائزية في شوارع المدن وخلفها رجال يعزفون ونساء تنوح.
55
أما في الإسكندرية أيام البطالمة التي وصلتها عبادة أدونيس وعستارت، فكان تمثال الفتى اليافع أدونيس يسجى على محفة ويغطى بوشاح أرجواني، إلى جانبه يوضع تمثال آخر لفينوس-عستارت. ثم تضمخ المحفة بأطيب العطور وتزين بكل أنواع الفواكه وأغصان الأشجار المثمرة، وتعلق عليها سلال صغيرة تدعى بحدائق أدونيس. وهذه الحدائق تعدها النساء قبل الاحتفال بوقت قصير، حيث يضعن في سلال أو أوعية وأكواب قليلة العمق قليلا من تراب الأرض، وينثرن فوقها حبوبا مختلفة كالقمح والشعير والشمرة، ثم يعرضنها لأشعة الشمس ويتعهدنها بالسقاية فتنتش الحبوب وتظهر سيقانها الصغيرة بسرعة كبيرة. بعد ذلك تحمل المحفة ويسير وراءها المحتفلون في مواكب الحداد، حتى إذا انتهى الاحتفال قامت النساء برمي حدائق أدونيس مع دمى صغيرة تمثله إلى ماء البحر.
56
وفي بلاد اليونان، تشير بعض الدلائل التاريخية إلى وقوع احتفالات الآدونيا في منتصف الصيف، فعندما أقلع أكبر أسطول حربي يوناني لقتال سيراكوزه في عز الصيف، كانت الآدونيا، كما تنقل الأخبار، في أوجها، وكان الجنود وهم يجتازون الشوارع هبوطا نحو الميناء يسمعون عويل النساء على أدونيس، ويصادفون صوره معلقة عند كل باب.
57
Shafi da ba'a sani ba