بجسمي شحوب الحق والحق جاهد
أفرق جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء بارد
وقد أصبح بعد موته «واضع قيم» ودليلا هاديا لمن يقررون دعائم المجتمع في الدولة العربية، فكان الخليفة الأموي معاوية يقول: لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم، وكان الخليفة الأموي الآخر عبد الملك بن مروان يقول: «ما يسرني أن أحدا ولدني من العرب غير أبي إلا أن يكون عروة بن الورد.»
وسأل عمر بن الخطاب الحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ فقال: كنا ألف حازم نطيع قيس بن زهير ولا نعصيه، ونقدم إقدام عنترة، ونأتم بشعر عروة بن الورد.
ولا حاجة بعد هذا المثل للسؤال عن مصدر القيم الأخلاقية بين الشخصية المستقلة وبين العرف الذي يتواضع عليه المجتمع، فإن التطور ينتهي بالثائر والمسالم معا إلى توكيد القيم الفضلى والزراية بمن يخرج عليها، وإنما الثورة على أعضاء المجتمع لا على القيم التي تعاونوا عليها.
وقد مضى على هذه «المذاهب» المتمثلة في هذه الشخصيات نحو ألف وخمسمائة سنة، ولم يزل لها صوت مسموع في استحسان الحسن وإنكار المنكر من الأخلاق. •••
ولم تتغير بعد الإسلام وظيفة الشاعر التي يرجع إليها في تسجيل القيم والأخلاق، وإن كان قد تغير الشاعر كما تغير سامعوه وقراؤه، وأصبح من اليسير على بعض الشعراء أن يعرضوا للناس صفات «الشخصية الحية»، كأنها مذهب من مذاهب التفكير.
والنماذج هنا كثيرة كالنماذج في أيام الجاهلية، ولكننا نجتزئ منها بعض أنواعها التي تدل على اتساع المجال أمام «الشخصية المستقلة» للتطور في نطاق المجتمع الكبير. •••
من هؤلاء الشعراء أصحاب الشخصيات أو أصحاب المذاهب المستمدة من حياتهم وتفكيرهم - ثلاثة ممتازون بين قرنائهم: هم الحسن بن هانئ، وأبو الطيب المتنبي، وأبو العلاء المعري، وأولهم نشأ بعد ظهور الإسلام بنحو قرنين.
Shafi da ba'a sani ba