ويجوز للسامع أن يفهم من هذا التعبير أن الذهاب واجب أو أنه حاصل حتما، في حين أن المتكلم لا يعني ذلك، بل يعني أن ينوي أن يذهب ولا يقيد ذلك بالوجوب أو الجزم بالحدوث، وليس في التعبير العربي شيء جديد يدعو إلى هذا اللبس، مع أن الزيادة فيه على الفعل أقل من الزيادة اللفظية في اللغة الإنجليزية؛ لأن السين حرف واحد، وقد يستغنى عنه فيقال: «قلت له أمس: إنني أذهب غدا، أو ذاهب غدا» فيفهم السامع ما أراده القائل.
وكثيرا ما يقيدون دلالات الزمن في اللغات الأوروبية بعبارة معينة لا تتقيد بها في الواقع. ومن الأمثلة التي أذكرها على ذلك أننا كنا في أيام التلمذة ندرس باب المبني للمجهول في اللغة الإنجليزية، فسألنا الأستاذ أن نبني للمجهول هذه العبارة: واكتب هذا
write this ، فأجبته بما معناه هذا يجب أن يكتب
This must be written ... قال الأستاذ: يجوز، ولكنه غير الاصطلاح المشهور، وإنما الاصطلاح المشهور أن يقال:
This should be written ... والفرق بينهما كالفرق بين «هذا يجب أن يكتب» «وهذا يلزم أن يكتب» ... ولا فرق بينهما في الحقيقة إلا تحكما واصطلاحا لتقرير وضع من الأوضاع يتردد في جميع التراكيب.
وبعد فإن اللغة من اللغات يعيبها على الأغلب الأعم نقصان: نقص في المفردات ونقص في أصول التعبير، والنقص في المفردات مستدرك؛ لأنها تزاد بالاقتباس والنقل والتجديد. وما من لغة إلا وهي فقيرة لو سقط منها ما لم يكن فيها قبل بضعة قرون، أما النقص المعيب حقا فهو نقص الأصول والقواعد الأساسية في تكوين اللغة. ومن قبيله ما نسب إلى لغتنا من نقص الدلالة على الزمن في صوره المختلفة، وإنه لنقص خطير لو صحت نسبته إليها، ولكنه بحمد الله غير صحيح. ويحق لنا أن نقول: إن هذه اللغة العربية لغة الزمن بأكثر من معنى واحد: لغة الزمن لأنها تحسن التعبير عنه، ولغة الزمن لأنها قادرة على مسايرة الزمن في عصرنا هذا وفيما يلي من عصور .
الشعر ديوان العرب
وإلى الشاعر يرجع العربي ليتعرف القيم الأخلاقية المفضلة، ويستقصي المناقب التي تستحب من الإنسان في حياته الخاصة أو حياته الاجتماعية.
يرجع العربي إلى الشاعر، ولا يرجع إلى الفيلسوف أو إلى الزعيم أو إلى الباحث في مذاهب الأخلاق، ويعلم كل قارئ عربي أن الشاعر الحكيم أبا تمام إنما قرر حقيقة علمية حين قال:
ولولا خلال سنها الشعر ما درى
Shafi da ba'a sani ba