فالحقيقة فكرة مجردة، قد تبلغ الغاية في تجردها من المحسوسات، ولكن مادة الكلمة تستخدم للدلالة على ما يلمس باليد ويقع تحت النظر، فيقال: «انحقت» عقدة الجبل: أي انشدت، وحق: بلغ حافة الطريق.
والمجاز من جاز المكان أو جاز به غير معترض، ويقال: هذا جائز عقلا أي: غير ممتنع ولا اعتراض عليه، وهذه كلمة مجازية أي: يمكن أن تنطلق في هذا المعنى، أو أنها تحتمله مع معناها الأصيل.
وكلمات: انطلق وامتنع واعترض واحتمل أمثلة أخرى لاقتران المعنى الأصيل والمعنى المنقول، فكلها تستخدم للمحسوسات وغير المحسوسات.
ويلاحظ هذا الاقتران بين المعاني المجردة والمعاني المحسوسة في كثير من المسائل الفكرية، والصفات الخلقية التي تجتمع في مادة واحدة: كالواجب والفريضة والفضيلة والحكمة والعقل والعظمة والأنفة والعزة والنبل والشرف والرحمة والجمال والنشر والعلم والشك والثقة، والذكاء إلى كثير من أشباهها.
فيقال: وجب بمعنى ثبت، والوجبة بمعنى الأكلة في وقت ثابت، والواجب بمعنى اللازم أو العرف أو المنطق.
ويقال: «الفريضة» عن الخشبة التي فرضت أو حزت وبينت فيها العلامات، ويقال: «الفرائض» عن الحدود المبينة الواضحة.
والفضيلة كل بقية أو زيادة، والفضيلة هي الخلق الذي يدل على فضل أو زيادة عند صاحبه، والفاضل هو الذي عنده زيادة، أو يتفضل بعطائه على غيره.
والحكمة مادة تجمع بين الدلالة على الرشد والدلالة على الحديدة، التي توضع في اللجام؛ لتمنع الفرس أن ينطلق غاية انطلاقه، وهي «الحكمة».
والعقل كالحكمة والحكمة فيما يشبه هذين الغرضين، ويقال: تعقل الأمر أي: تدبره وأدركه: وتأتي «تدبره» أيضا بمعنى مشى في أعقابه، وأدركه بمعنى لحقه ووصل إليه.
أما العظمة فهي صفة العظيم، والعظيم هو الكبير العظام أو الكبير الأخلاق والمزايا.
Shafi da ba'a sani ba