فعدم ورود اللفظ في القاموس لا يدل دائما على أنه عامي أو ضعيف، ناهيك بألفاظ كثيرة اكتسبت بالحضارة معاني جديدة لم يدونها القاموس لأن الأئمة اعتبروها من قبيل الألفاظ العامية، ولكن الكتاب استعملوها وفيهم المشاهير المشهود لهم بالبلاغة وسلامة الذوق. •••
فالأصل في معنى «البيت» في القاموس البناء المعروف والشرف والشريف، فكانوا يقولون «بيت بنى تميم» أي شرفهم، و«فلان بيت قومه» أي شريفهم، و«بيت القصيدة» أحسن أبياتها، قال: «والعامة تقول: هو من بيت فلان، أي من عائلته.» مع أن استعمال البيت بمعنى العائلة مما تداولته أقلام البلغاء وفي مقدمتهم ابن خلدون، وقد عرفه بقوله: «البيت أن يعد الرجل في آبائه أشرافا مذكورين تكون له بولادتهم إياه والانتساب إليهم تجلة في أهل جلدته»، وقال: «وكان بنو إسرائيل بيتا من أعظم بيوت العالم.»
و«الحضارة» الأصل في معناها سكنى المدن أي ضد البداوة، فلما تحضر العرب وكثر الترف في مدنهم صار معنى الحضارة عندهم «التفنن في الترف وأحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه من المطابخ والملابس والفرش وغيرها.» ويقال نحو ذلك في «العمران»، فإن أصل معناها من «عمر الرجل في المكان» سكن فيه، ثم صارت تدل على معنى المدنية والحضارة. وهذا ما أصاب لفظ «التمدن»، فإنها من «تمدن الرجل» أي تخلق بأخلاق أهل المدن، ثم دلوا بها على مثل ما تدل عليه الحضارة أو العمران أو المدنية.
وقد استعملوا «ركاب السلطان» بمعنى موكبه، ولا تجد لهذه اللفظة هذا المعنى في القاموس ولكن الكتاب استعملوها له. وكذلك «كافة»، فقد نبه «القاموس» أنها تستعمل في مثل «جاء الناس كافة» أي كلهم، وأنها لا تدخل عليها أل التعريف ولا تضاف، ولكن بلغاء الكتاب قد استعملوها في الحالين مرارا: قال ابن خلدون: «لما كان الجهاد فيها مشروعا لعموم الدعوة وحمل الكافة على دين الإسلام»، وقال صاحب «أدب الدنيا والدين»: «وفرض جميعه على الكافة كان أولى مما لم يجب فرضه على الأعيان ولا على الكافة». •••
وقال أبو إسحاق الصابي الكاتب الشهير من نسخة عهد كتبها عن المطيع لله إلى الغضنفر بن ناصر الدولة: «أمره أن يعرف لركن الدولة أبي علي وعز الدولة أبي منصور موليي أمير المؤمنين تولاهما الله حق منزلتهما من أمير المؤمنين وغنائهما عن كافة المسلمين!»
ومن الألفاظ التي استعملها الكتاب القدماء واقتدى بها كتابنا مع أن استعمالها يخالف قول القاموس: تخصيص «القينة» بمعنى المغنية والأصل إطلاقها على الأمة مغنية كانت أو غير مغنية. و«المقراض» و«المقص»، فإن الأصل في استعمالهما بالمثنى لأنهما مقراضان ومقصان أي شفرتان، فيقال: «قرضته بالمقراضين» و«قصصته بالمقصين». وقلما نرى بين الكتاب القدماء أو المحدثين من يستعملهما كذلك، بل هم يقولون: «قرضته بالمقراض» و«قصصته بالمقص.»
والأصل في «المأتم» الاجتماع على العموم، ثم خصصوه بالاجتماع في مجتمع النياحة.
و«أرق» في الأصل للسهر في مكروه، ثم صار عاما.
ومن الاستعمالات الجارية على أقلام الكتاب وهي خطأ باعتبار القواعد المدونة قولهم: «بدأ به أولا»، والصواب «بدأ به أول» مثل قولهم «قبل» وحكمهما واحد.
ومن هذا القبيل جمع «حاجة» على «حوائج» و«عادة» على «عوائد»، وهما شائعتان عند الكتاب مع مخالفتهما للقاعدة. وكذلك جمع «ريح» على «أرياح» خطأ، ولكن الحريري استعملها. ومثله جمع «أرض» على «أراضي» وجمع «الجواب» على «أجوبة».
Shafi da ba'a sani ba