ومن خصائصها أيضا دلالة اللفظ الواحد على معان كثيرة، فمن ألفاظها نيف ومائتا لفظ يدل كل منها على ثلاثة معان، ونيف ومائة لفظ يدل الواحد منها على أربعة، وكذلك التي تدل على خمسة معان. وقس على ذلك ما يدل على ستة معان فسبعة فثمانية فتسعة إلى خمسة وعشرين معنى، كالحميم والفن والطيس. ومما تزيد مدلولاته على ذلك «الخال»، فإنها تدل على 27 معنى، وللفظ «العين» 35 معنى، وللفظ «العجوز» 60 معنى.
فتكاثر المترادفات والأضداد ودلالة اللفظ الواحد على معان كثيرة، لا يحدث إلا من تفرع ألفاظ اللغة ومعانيها بالنمو والتجدد وتكاثر الدخيل، وبالطبع لم يتكون للشيء الواحد مائة اسم أو مائتان إلا بتوالي الأجيال، وأحدث تلك الألفاظ أكثرها استعمالا، وأقدمها أقربها إلى الإهمال.
الألفاظ الإسلامية
(1) العصر الإسلامي
نريد بالعصر الإسلامي في صدد اللغة العربية الزمن الذي مر باللغة بعد ظهور الإسلام حتى كتبت العلوم الإسلامية، كالتفسير والحديث وسائر العلوم الشرعية واللغوية ونحوها، إلى عصر النهضة العباسية. ولا مشاحة في أن الإسلام أثر في اللغة تأثيرا كبيرا كان تابعا لتأثيره في العادات والآداب والاعتقادات.
ويدخل في ذلك ما طرأ على اللغة من الاصطلاحات الدينية والفقهية واللغوية والأدبية، وما دخلها من الألفاظ الإدارية على أثر إنشاء الحكومة ودوائرها وفروعها، ثم الألفاظ العلمية والفلسفية بترجمة كتب اليونان والفرس والهنود إلى العربية.
ولذلك قسمنا الكلام في العصر الإسلامي إلى ثلاثة فصول، نقتصر في هذا الفصل على ما دخل اللغة العربية من التغيير بسبب العلوم الإسلامية، وهو ما عبرنا عنه بالألفاظ الإسلامية، ونفرد لكل من التغييرات الإدارية والأجنبية فصلا خاصا.
فتأثير العلوم الإسلامية على اللغة يكاد يكون محصورا في تنويع الألفاظ العربية وتغيير معانيها للتعبير عما أحدثه الإسلام من المعاني الجديدة، بلا إدخال ألفاظ أعجمية إلا نادرا. (1-1) الاصطلاحات الشرعية والفقهية
وأشهر ما حدث من التنوعات في الألفاظ العربية في العصر الإسلامي المصطلحات الدينية والشرعية والفقهية واللغوية، وكانت ألفاظها موجودة قبل الإسلام ولكنها كانت تدل على معان أخرى، فتحولت للدلالة على ما يقاربها من المعاني الجديدة، فلفظ «المؤمن» مثلا كان معروفا في الجاهلية ولكنه كان يدل عندهم على الأمان أو الإيمان وهو التصديق، فأصبح بعد الإسلام يدل على المؤمن وهو غير الكافر، وله في الشريعة شروط معينة لم تكن من قبل، وكذلك المسلم والكافر والفاسق ونحوه. ومما حدث من المصطلحات الشرعية الصلاة وأصلها في العربية الدعاء، وكذلك الركوع والسجود والحج والزكاة والنكاح فقد كان لهذه الألفاظ وأشباهها معان تبدلت بالإسلام وتنوعت.
وقس على ذلك في الاصطلاحات الفقهية، كالإيلاء والظهار والعدة والحضانة والنفقة والإعتاق والاستيلاء والتعزير واللقيط والآبق والوديعة والعارية والشفعة والمناسخة والفرائض والقسامة وغيرها. (1-2) الاصطلاحات اللغوية
Shafi da ba'a sani ba