ثمَّ جَاءَ الْمُدَّعِي يَدعِي عَلَيْهِ بعد الصُّلْح دَعْوَى أُخْرَى بِأَن كَانَ الْمُدَّعِي مثلا امْرَأَة ادَّعَت دَارا وَجرى الْحَال كَمَا ذكرنَا ثمَّ جَاءَت تطلب من الْمُدَّعِي عَلَيْهِ دين الْمهْر لَا تسمع لِأَن الْبَرَاءَة عَن الدَّعْوَى ذكرت مُطلقًا وَلَا مَانع من أَن يَدعِي وَاحِدًا ويصالح عَنهُ وَعَن جَمِيع الدَّعَاوَى
وَاخْتَارَ شيخ الاسلام رَحمَه الله تَعَالَى أَن الصُّلْح بعد الانكار عَن دَعْوَى فَاسِدَة لَا يَصح لِأَن الْمُدَّعِي زَعمه يَأْخُذهُ بَدَلا عَمَّا ادَّعَاهُ فَلَا بُد من صِحَة الدَّعْوَى
وَفِي نظم الْفِقْه أَخذ سَارِقا فِي دَار غَيره فَأَرَادَ دَفعه إِلَى صَاحب المَال فَدفع لَهُ السَّارِق مَالا على أَن يكف عَنهُ يبطل وَيرد المبذول إِلَى السَّارِق لِأَن الْحق لَيْسَ لَهُ وَلَو كَانَ الصُّلْح مَعَ صَاحب السّرقَة بَرِيء من الْخُصُومَة بِأخذ المَال
رجل اتهمَ بِسَرِقَة وَحبس فَصَالح ثمَّ زعم أَن الصُّلْح كَانَ خوفًا على نَفسه إِن كَانَ فِي حبس الْوَالِي تصح الدَّعْوَى لِأَن الْغَالِب على أَنه حبس ظلما وَإِن كَانَ فِي حبس القَاضِي لَا تصح لِأَن الْغَالِب على أَنه حبس بِحَق
الصُّلْح الْفَاسِد كَالْبيع الْفَاسِد يتَمَكَّن كل مِنْهُمَا من الْفَسْخ
ادّعى عَلَيْهِ ألفا فَأنْكر وَأَعْطَاهُ نصفهَا وَلم يقل شَيْئا ثمَّ أَرَادَ الْمُدَّعِي يَعْنِي الدَّافِع اسْتِرْدَاده لَهُ ذَلِك وَإِن كَانَ مَكَان النَّقْد عرض لَا يملك الِاسْتِرْدَاد
فَالْحَاصِل أَن كل مَا كَانَ للْمُدَّعِي فِيهِ حق الْأَخْذ لَا يتَمَكَّن من اسْتِرْدَاد الْمُدَّعِي مالم يذكر لفظ الصُّلْح أَو تدل عَلَيْهِ الْقَرِينَة لِأَن فِي زعم الْمُدَّعِي أَنه أَخذ حَقه فَكيف يكون صلحا ومالا يتَمَكَّن الْمُدَّعِي من أَخذه كالعرض يكون صلحا بالتعاطي
رجل ادّعى على آخر ألفا فَأنْكر فصولح على شَيْء ثمَّ برهن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ على الْإِيفَاء أَو الْإِبْرَاء لَا يقبل وَإِن ادّعى عَلَيْهِ ألفا فَادّعى الْقَضَاء أَو الْإِبْرَاء وصولح ثمَّ برهن على أَحدهمَا تقبل وَيرد بدل الصُّلْح لِأَن الصُّلْح فدَاء الْيَمين وَالْيَمِين فِي الأولى كَانَت على الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فَفَدَاهُ بِالْمَالِ وَفِي الثَّانِيَة على الْمُدَّعِي فَلَا يتَصَوَّر أَن يكون الْفِدَاء عَنْهَا فَإِذا برهن على الْقَضَاء أَو الْإِبْرَاء يرد بدله
رجلَانِ بَينهمَا أَخذ وَعَطَاء وتبرع وقرض وَشركَة تَصَادقا على ذَلِك وَلم يعرفا الْمِقْدَار فتصالحا على مائَة إِلَى أجل جَازَ لِأَن لفظ الصُّلْح دَلِيل على أَن الْحق أَكثر وَقد تبرع بالتأجيل فِيمَا بقى كمن لَهُ على آخر دَرَاهِم لَا يعرفان مقدارها صَالح على مائَة
رجلَانِ لَهما على رجل دين فَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يَأْخُذ نصِيبه على وَجه لَا يكون للشَّرِيك فِيهَا نصيب فَالْحِيلَةُ فِي ذَلِك أَن يَبِيع من الْمَطْلُوب كفا من زبيب بِمِائَة دِرْهَم ويسلمه إِلَيْهِ ثمَّ يُبرئهُ عَن نصِيبه من الدّين ويطالبه بِثمن الزَّبِيب فَحِينَئِذٍ لَا يكون لشَرِيكه فِيهِ نصيب لِأَنَّهُ لَا شركَة فِي هَذَا الدّين وَإِن مبْنى الصُّلْح على التَّجَوُّز بِدُونِ الْحق فَصَارَ كَأَن الْمصَالح أَبرَأَهُ عَن بعض نصِيبه وَاسْتوْفى الْبَعْض وَلَا يجوز تَعْلِيق الصُّلْح بِالشّرطِ وَلَا اضافته إِلَى وَقت بِأَن قَالَ إِذا جَاءَ غَد فقد صالحتك على كَذَا أَو صالحتك غَدا على كَذَا لِأَن تَعْلِيق التمليكات بِالشّرطِ وإضافتها إِلَى الْوَقْت بَاطِل وَلِأَن الصُّلْح فِي الْأَعْيَان مُلْحق بِالْبيعِ فَكَمَا لَا يجوز تَعْلِيق البيع بِالشّرطِ وَلَا اضافته إِلَى الْوَقْت فَكَذَلِك الصُّلْح
وَيجوز الصُّلْح عَن دَعْوَى نِكَاح وَهُوَ على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يَدعِي رجل على امْرَأَة نِكَاحا وَهِي تجحد فصالحته على مَال حَتَّى يتْرك الدَّعْوَى جَازَ وَكَانَ فِي معنى الْخلْع لِأَن الصُّلْح يجب اعْتِبَاره بأقرب الْعُقُود
1 / 264