وقال مرقص أفندي: انزل يا عباس! ولا ترني وجهك أبدا!
وقالت إيفون في تشبث: إنه يريد أن يتزوجني ... قل له ذلك ... قل له يا عباس.
ومشى عباس إلى باب السلم وفتحه وانزلق منه إلى الخارج صامتا لا يلوي على الحريق الذي أشعله في بيت كان آمنا.
الفصل الثالث عشر
حتى البيت يأبى على مرقص الطمأنينة والهدوء، بل إن البيت أصبح شر ما يواجهه في الحياة. لقد استطاع الشر الذي يتوقاه خارج باب البيت أن يتسلل إلى داخل أبوابه ويصرع أمله الوحيد الذي يحيا به وله. كيف استطاع هذا الشر أن ينفذ إلى بيته وهو حريص أشد الحرص أن يغلق الأبواب ويحكم الرتاج؟ وكيف استطاع أن يختار من البيت أعز من في البيت؟ أهكذا يخترق السهم قلبه مصوبا من خلال وحيدته التي ما أحاطت به الهموم وذكرها إلا هدأ ثائره وقر مضطربه؟ فقد أصبحت هي اليوم ثائره، وهي هي من أصبحت مضطربه، بل ومقتله! كيف يقوى على هذا المصيبة؟
كان جالسا بالبهو على الأريكة حين طلعت إليه مريم من حجرتها ورأته ورأت باب ابنتها مفتوحا. وسألت مرقص فرفع عينا شاخت فكأنما سعى بها العمر عشرات من السنين، ثم أطرق مرة أخرى. لا ليس هذا مرقص! ودخلت إلى ابنتها فوجدتها متكومة كقطعة مهملة من الملابس فوق السرير وقد اعتمدت رأسها على ركبتيها، وسألتها، فرفعت إليها عينين تحجرت فيهما الدموع، فصرخت: انطقي!
وقال مرقص من البهو في صوت متهدج حاسم: لا يعلو صوتك.
وقالت في إصرار: ماذا بكما؟
ثم ذهبت إلى زوجها وجلست إلى جانبه مبهورة الأنفاس والهة: ماذا يا مرقص؟! ماذا حل بنا؟!
ودون أن يرفع إليها بصره تمتم بكلمتين كانتا كافيتين غاية الكفاية. وهمت أن تقوم إلى ابنتها فأمسك زوجها بذراعها في قوة عنيفة: لن يعرف أحد ما حصل، حذار أن يعلو صوتك.
Shafi da ba'a sani ba