النور والظلمات في ضوء الكتاب والسنة
النور والظلمات في ضوء الكتاب والسنة
Mai Buga Littafi
مطبعة سفير
Inda aka buga
الرياض
Nau'ikan
الفتن على القلوب كالحصير عُودًا عُودًا، فأيُّ قلب أُشربها نُكت فيه نكتٌ سوداءٌ، وأيُّ قلب أنكرها نكت فيه نكتةٌ بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا لا تضّرهُ فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسودُ مربادًّا كالكُوز مجخيًّا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرِب من هواه» (١).
الفتنة أصلها في كلام العرب: الابتلاء، والامتحان، والاختبار، ثم صارت في عرف الكلام لكل أمر كشفه الاختبار عن سوء، فقيل: فُتن الرجل إذا وقع في الفتنة وتحوّل من حال حسنة إلى سيئة.
وقوله ﷺ: «تُعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عُودًا عُودًا» والمعنى أن الفتن تلصق بعرض القلوب: أي بجانبها كما يلصق الحصير بجنب النائم، ويؤثر فيه شدة التصاقها به، وتُعاد وتُكرر شيئًا بعد شيء، فأي قلب أُشربها فدخلت فيه دخولًا تامًا وألزمها وحلّت منه محلّ الشراب نقط فيه نقطة سوداء، ولا يزال هذا القلب يشرب الفتن كلما عُرضت عليه كما يشرب الإسفنج الماء حتى يسودّ وينتكس، فيكون كالكُوز المائل المنكوس، «والكوز هو ما اتَّسع رأسه من أواني الشرب إذا كانت بِعُرى وآذان، فإن لم يكن لها عُرى فهي أكواب» (٢).
فإذا انتكس القلب وصار مكبوبًا منكوسًا عرض له اشتباه المعروف عليه بالمنكر، وربما استحكم عليه المرض حتى يعتقد المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والسنة بدعة والبدعة سنة، والحق باطلًا والباطل حقًا،
_________
(١) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا،١/ ١٢٨،برقم ١٤٤.
(٢) مشارق الأنوار، للقاضي عياض، ١/ ٣٤٩.
1 / 71