Letters and Fatwas of Abdul Aziz Al Sheikh
رسائل وفتاوى عبد العزيز آل الشيخ
Nau'ikan
ـ[رسائل وفتاوى عبد العزيز آل الشيخ]ـ
المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب
[الكتاب مرقم آليا]
Shafi da ba'a sani ba
أخي المعلم. . أختي المعلمة
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
مفتي عام المملكة العربية السعودية
من عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ إلى عموم إخوانه وأخواته من المعلمين والمعلمات: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. . . أما بعد:
ففي هذه الأيام نستقبل عاما دراسيا جديدا نسأل الله ﷿ أن يجعله عام خير وبركة وعز للإسلام وأهله؛ وبهذه المناسبة أحببت أن أشارك إخواني وأخواتي المعلمين والمعلمات همهم وأتعاون معهم على تأدية رسالة التعليم على الوجه الذي يرضي رب العالمين، وذلك من خلال كلمات أبثها لإخواني وأخواتي نصيحة لوجه الله ﷿، وتذكيرا لهم ببعض الجوانب التي رأيت أهمية التذكير بها؛ أسأل الله ﷿ أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه الكريم نافعة لعباده المؤمنين إنه سبحانه بر رؤوف رحيم.
أساليب للتعليم مقترحة مستقاة من الوحيين:
وإن مما يؤسف له تتابع أهل الإسلام إلى نظريات غربية وشرقية في التربية والتعليم ليست إلا نتاج عقول البشر وخلاصة تجاربهم، وإن كان مثل هذا يمكن أن يستفاد فيه من غير المسلم وما كان مرجعه إلى التجربة فهو مشاع الانتفاع به بين البشر ما لم يخالف مقتضى الشرع.
والمقصود هنا بيان بعض الطرق النافعة للتعليم وحفز الأذهان وهي مأخوذة من الكتاب والسنة:
١ - ضرب الأمثال: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ﴾ (١) .
٢ - القصص: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ (٢) ومنه تشبيه النبي ﷺ: الجليس الصالح والجليس السوء.
_________
(١) سورة النحل الآية ٧٦
(٢) سورة يوسف الآية ٣
1 / 1
٣ - ومنها ابتدار الطلاب السؤال لشد انتباههم. ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ﴾ (١) ﴿تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ (٢) . ويقول ﷺ: «يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله (٣)» وهكذا في أمثلة كثيرة.
٤ - مبادرة الطلاب بما يثير تساؤلهم تحفيزا لأذهانهم. من ذلك: «أن النبي ﷺ صعد المنبر يوما فقال: آمين. . آمين. . آمين قال: إن جبريل أتاني، فقال من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله، قل آمين؛ فقلت: آمين (٤)» . . الحديث.
٥ - ومنها طرح المسألة على الطلاب وتركهم يستنتجون حلها. وقد فعل هذا نبينا ﷺ، فعن ابن عباس ﵄ عن النبي ﷺ قال: «عرضت علي الأمم فرأيت النبي معه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل له: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومنهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله ﷺ، وقال بعضهم، فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئا، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله ﷺ فقال: ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون (٥)» الحديث.
_________
(١) سورة الشعراء الآية ٢٢١
(٢) سورة الشعراء الآية ٢٢٢
(٣) صحيح البخاري الجهاد والسير (٢٨٥٦)، صحيح مسلم الإيمان (٣٠)، سنن الترمذي الإيمان (٢٦٤٣)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٩٦)، مسند أحمد بن حنبل (٥/٢٤٢) .
(٤) مسند أحمد بن حنبل (٤/٣٤٤) .
(٥) صحيح البخاري الطب (٥٧٠٥)، صحيح مسلم الإيمان (٢٢٠)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٤٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/٢٧١) .
1 / 2
٦ - أن يستعين المعلم بزميل له ملم بموضوع الدرس: فيحضر معه الدرس ويجلس جلوس الطلاب، ثم يبدأ مع زميله حوارا حول مفردات موضوع الدرس حتى يأتي على جمع ما يحتاج الطلاب فهمه في هذا الدرس بأسلوب متدرج هادئ حواري، يشد أذهان الطلاب ويجعلهم يستوعبون درسهم.
كما فعل جبريل ﵇ مع النبي ﷺ حين جلس عنده مجلس المتعلم والصحابة ﵃ شهود، وهو يسأله عن أمور الدين ليعلم الصحابة، فقال النبي ﷺ: «يا عمر أتدري من السائل؟ قال عمر: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم (١)» أخرجه مسلم.
ومن تتبع الكتاب والسنة وجد من ذلك الكثير النافع، والتنويع في الأساليب أنفع وهو هدي النبي ﷺ.
هذه جملة مما أحببنا أن نشارك به إخواننا وأخواتنا من المعلمين والمعلمات. بمناسبة بداية العام الدراسي أسأل الله للجميع التوفيق والسداد وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم مقربا عنده زلفى وأن يصلح نياتنا وذرياتنا ويتقبل صالح أعمالنا ويتجاوز عن سيئها كما أسأله سبحانه أن يعز الإسلام والمسلمين وأن يظهر الهدى ودين الحق على الدين كله ولو كره المشركون وأن يجمع كلمة المسلمين على طاعته ويؤلف بين قلوبنا، إنه سبحانه جواد كريم وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
_________
(١) صحيح مسلم الإيمان (٨)، سنن الترمذي الإيمان (٢٦١٠)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٤٩٩٠)، سنن أبو داود السنة (٤٦٩٥)، سنن ابن ماجه المقدمة (٦٣)، مسند أحمد بن حنبل (١/٥٢) .
1 / 3
أقسام المياه
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد:
1 / 4
إخوة الإسلام، فإن الله سبحانه قد شرع لنا دين الإسلام ومن علينا بأن أكمله وأتمه ورضيه لنا دينا، وما توفي النبي ﷺ، إلا وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وقد تلقى هذا الدين والعلم عنه أصحابه ﵃، فبلغوه كما سمعوه وأدوا أمانته فرضي الله عنهم وأرضاهم، وهكذا من بعدهم إلى أن وصل إلينا محفوظا مبينا، وكان الناس في تلقي هذا العلم والنور على درجات، أكملها من فقه في دين الله ونفعه ما بعث الله به نبيه ﷺ، وأخسرهم صفقة من لم يرفع به رأسا، فعن أبي موسى ﵁ عن النبي ﷺ قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به (١)» أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري.
فظهر من هذا الحديث أن أفضل خلق الله هو: من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعث به نبيه ﷺ من الهدى ودين الحق، وهو مع ذلك علم العلم ثم علمه فانتفع به في نفسه ونفع به غيره من خلق الله، وهذا دأب العلماء الربانيين الصالحين المصلحين - نظمنا الله في سلكهم وهدانا لسلوك طريقهم وجادتهم -.
_________
(١) صحيح البخاري العلم (٧٩)، صحيح مسلم الفضائل (٢٢٨٢)، مسند أحمد بن حنبل (٤/٣٩٩) .
1 / 5
وقد جاء في البخاري أيضا من حديث معاوية ﵁ أن النبي ﷺ قال: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (١)» فعلامة إرادة الله الخير بعبده أن يفقهه في دينه، هذا وإن لعلمائنا ﵏ سلفا وخلفا يدا طولى في بيان دين الله. عقيدة وشريعة على مر القرون، حتى وصل إلينا سهلا ميسرا عذبا نميرا في بطون الكتب، لا تحتاج إلا إلى همة في البحث والتعلم، مع الضراعة إلى الله سبحانه وسؤاله التوفيق والسداد، ثم إن من المعلوم أن العلماء في المسائل الفقهية خاصة لا زالوا يختلفون، وأسباب خلافهم كثيرة جدا، ذكر طرفا منها شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في كتابه النافع: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ومن جملة الأسباب: أن يكون العالم أو الإمام لم يبلغه في المسألة الدليل الذي بلغ العالم الآخر فيقول بخلاف قوله.
_________
(١) صحيح البخاري العلم (٧١)، صحيح مسلم الإمارة (١٠٣٧)، سنن ابن ماجه المقدمة (٢٢١)، مسند أحمد بن حنبل (٤/٩٣)، موطأ مالك كتاب الجامع (١٦٦٧)، سنن الدارمي المقدمة (٢٢٦) .
1 / 6
ومنها: أن يبلغه الدليل لكنه يفهمه فهما بخلاف ما فهمه غيره من العلماء، أو يظن نسخه أو ترجيحه أو غيرها من الأسباب المبسوطة في مظانها، والواجب على طالب العلم إذا ورد عليه مثل هذه المسائل أن يجتهد في البحث واستقصاء الأدلة وما يرد على الأدلة من مناقشات ويكرر النظر ويدققه حتى يخرج بالرأي الذي تطمئن إليه نفسه، ويدين به ربه سبحانه، ثم مع هذا ليتق الله في علماء الأمة وليسلم لسانه من أعراضهم، أو الطعن في قصورهم ونياتهم، أو تتبع زلاتهم وهناتهم، فإن العالم كما لا يتبع في زلته فإنه لا يتبع بزلته؛ بل يعتذر عنه ويستغفر له ويظن فيه الظن الحسن ما دام على الجادة الحق سائرا وعن كتاب ربنا وسنة نبينا محمد ﷺ صادرا وإليها واردا، فذاك حق له الدعاء والاستغفار، والله تعالى يقول في شأن المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (١) .
فنسأل الله لعلمائنا المغفرة والرحمة، كما نسأله سبحانه أن يرفع درجاتهم ويعلي منازلهم ويتجاوز عن سيئاتهم ويحشرنا وإياهم في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ولما كان الأمر بهذه المثابة فإنا قد اخترنا أن تكون افتتاحية هذا العدد المبارك من مجلة البحوث، في مسائل فقهية تمس الحاجة إليها، وعادة العلماء البداءة بكتاب الطهارة؛ لأنه مفتاح الصلاة والصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، ويبدءون من كتاب الطهارة بباب المياه ونحن على سننهم سائرون وبهم مقتدون، والله سبحانه الموفق والمعين. فنقول: باب المياه فيه مسائل:
المسألة الأولى: في تقسيم الماء وهل هو منقسم إلى قسمين أو ثلاثة، وبعبارة أخرى هل الطهور بمعنى طاهر أو أنه قسم له؟
في المسألة خلاف:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، إلى أن الطهور هو الطاهر المطهر.
أدلتهم:
_________
(١) سورة الحشر الآية ١٠
1 / 7
١ - قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (١)، فقوله: (طهور) يراد به ما يتطهر به؛ يفسر ذلك قوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ (٢) .
٢ - ما أخرجه الشيخان عن جابر ﵁ أن النبي ﷺ قال: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (٣)» أي مطهرة، والأمة إنما خصت بجعل الأرض لهم مطهرة لا بكونها طاهرة، لأنها طاهرة في حق كل أحد.
٣ - حديث أبي هريرة ﵁ الصحيح أن رسول الله ﷺ لما سئل عن ماء البحر قال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته (٤)» أخرجه الترمذي.
وجه الدلالة: أن من المعلوم أنهم إنما سألوا عن التطهر بماء البحر لا عن طهارته، ولولا أنهم يفهمون من الطهور أنه المطهر، لم يحصل الجواب.
٤ - حديث أبي هريرة ﵁ عند مسلم أن النبي ﷺ قال: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا (٥)» والمعنى: مطهر إناء أحدكم.
القول الثاني: قول الحنفية، وهو اختيار الخرقي من الحنابلة، وهو محكي عن الحسن البصري، وسفيان، وأبي بكر الأصم، وابن داود، وقول بعض أهل اللغة: إن الطهور هو الطاهر.
أدلتهم:
١ - قوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ (٦) .
_________
(١) سورة الفرقان الآية ٤٨
(٢) سورة الأنفال الآية ١١
(٣) صحيح البخاري التيمم (٣٣٥)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٢١)، سنن النسائي الغسل والتيمم (٤٣٢)، مسند أحمد بن حنبل (٣/٣٠٤)، سنن الدارمي الصلاة (١٣٨٩) .
(٤) سنن الترمذي الطهارة (٦٩)، سنن النسائي المياه (٣٣٢)، سنن أبو داود الطهارة (٨٣)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٣٨٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٣٦١)، موطأ مالك الطهارة (٤٣)، سنن الدارمي الطهارة (٧٢٩) .
(٥) صحيح البخاري الوضوء (١٧٢)، صحيح مسلم الطهارة (٢٧٩)، سنن الترمذي الطهارة (٩١)، سنن النسائي المياه (٣٣٨)، سنن أبو داود الطهارة (٧١)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٣٦٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٤٢٧)، موطأ مالك الطهارة (٦٧) .
(٦) سورة الإنسان الآية ٢١
1 / 8
وجه الدلالة: أن هذه الآية في بيان نعيم أهل الجنة، ومعلوم أن أهل الجنة لا يحتاجون إلى التطهير من حدث ولا نجس، فعلم أن المراد بالطهور الطاهر.
٢ - قال جرير في وصف النساء:
خليلي هل في نظرة بعد توبة ... أداوي بها قلبي علي فجور
إلى رجح الأكفال هيف خصورها ... عذاب الثنايا ريقهن طهور
وجه الدلالة: أنه وصف الريق بأنه طهور والريق لا يتطهر به. وإنما مراده أنه طاهر.
٣ - قالوا: إن العرب لا تفرق بين الفاعل والفعول في التعدي واللزوم، فما كان فاعله لازما كان فعوله لازما بدليل قاعد وقعود ونائم ونئوم وضارب وضروب.
وقد أجاب الجمهور عن أدلتهم:
١ - أما قوله تعالى: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ (١)
فيجاب عنه بأن الله تعالى وصف الشراب بأعلى الصفات وهي التطهير.
٢ - وقول جرير أجابوا عنه بقولهم: إنه حجة لنا؛ لأنه قصد تفضيلهن على سائر النساء، فوصف ريقهن بأنه مطهر يتطهر به لكمالهن وطيب ريقهن وامتيازه على غيره، ولا يصح حمله على ظاهره، فإنه لا مزية لهن في ذلك، فإن كل النساء ريقهن طاهر، بل البقر والغنم وكل حيوان غير الكلب والخنزير.
٣ - وأجابوا عما احتجوا به من حجة اللغة، بأنه غير مستقيم؛ لأن العرب فرقت بين الفاعل والفعول، فقالت: قاعد لمن وجد منه القعود وقعود لمن يتكرر ذلك منه.
فينبغي أن يفرق بينهما هاهنا، وليس إلا من حيث التعدي واللزوم.
وقد نقل صاحب الاختيارات عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية تحقيقا جيدا في هذه المسألة يحسن إيراده، قال ﵀: وفصل الخطاب في المسألة أن صيغة اللزوم والتعدي لفظ مجمل، يراد به اللزوم والتعدي النحوي اللفظي. ويراد به التعدي الفقهي.
فالأول هو أن يراد باللازم: ما لم ينصب المفعول به، ويراد بالمتعدي: ما نصب المفعول به. فهذا لا تفرق العرب فيه بين فاعل وفعول في اللزوم. فمن قال: إن فعول هذا بمعنى فاعل - من أن كلا منهما مفعول به - كما قال كثير من الحنفية، فقد أصاب. ومن اعتقد أن فعول بمعنى فعل الماضي، فقد أخطأ.
وأما التعدي الفقهي فيراد به: أن الماء الذي يتطهر به في رفع الحدث، بخلاف ما كان كالأدهان والألبان.
_________
(١) سورة الإنسان الآية ٢١
1 / 9
وعلى هذا فلفظ " طاهر " في الشرع أعم من لفظ طهور فكل طهور طاهر وليس كل طاهر طهور.
وقد غلط الفريقان في ظنهم أن طهورا معدول عن طاهر.
وإنما هو اسم لما يتطهر به. فإن العرب تقول: طهور ووجور لما يتطهر به ويوجر به، وبالضم للفعل الذي هو مسمى المصدر، فطهور هو صيغة مبنية لما يفعل به، وليس معدولا عن طاهر. ولهذا قال تعالى في إحدى الآيتين: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (١) وقال في الآية الأخرى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ (٢) إذا عرفت هذا فالطاهر يتناول الماء وغيره. وكذلك الطهور فإن النبي ﷺ جعل التراب طهورا، ولكن لفظ " الطاهر " يقع على جامدات كثيرة، كالثياب والأطعمة. وعلى مائعات كثيرة، كالأدهان والألبان وتلك لا يمكن أن يطهر بها، فهي طاهرة ليست بطهور. اهـ.
أما فائدة هذا الخلاف فمن الناس من قال إنه لا فائدة فيه.
ومنهم من رأى أنه فيه فائدة.
فقال القاضي أبو يعلى: فائدته: أنه عندنا لا تجوز إزالة النجاسة بغير الماء لاختصاصه بالتطهير، وعندهم تجوز لمشاركته غير الماء في الطهارة.
قال أبو العباس: وله فائدة أخرى وهي: أن الماء يدفع النجاسة عن نفسه بكونه مطهرا، كما دل عليه قوله ﷺ: «الماء طهور لا ينجسه شيء (٣)»، وغيره ليس بطهور، فلا يدفع، وعندهم الجميع سواء. اهـ.
وقول القاضي ومن بعده ابن تيمية عندهم يعني الذين سووا بين الطاهر والطهور وهم الحنفية ومن نحا منحاهم.
هذا وإن مما يدخل في الماء الطهور ما يلي:
ماء السماء، يقول الله ﷾: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (٤)
_________
(١) سورة الفرقان الآية ٤٨
(٢) سورة الأنفال الآية ١١
(٣) سنن الترمذي الطهارة (٦٦)، سنن النسائي المياه (٣٤٨)، سنن أبو داود الطهارة (٦٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٤٢٠) .
(٤) سورة الفرقان الآية ٤٨
1 / 10
ويدخل فيه ماء الثلج والبرد، ففي الحديث: ". . . «اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد (١)» . ويدخل فيه ماء البحر على الصحيح؛ لقول النبي ﷺ: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته (٢)» .
ويدخل فيه ماء الآبار، والأصل فيها حديث بئر بضاعة، وهي بئر كانت تلقى فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن. فقال رسول الله ﷺ: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء (٣)» أخرجه الترمذي وأبو داود.
ويدخل فيه الماء المتغير من طول المكث وهو الماء الآجن.
قال ابن المنذر ﵀ بعد أن ساق جملة من الآيات في الماء - قال أبو بكر: قال الشافعي بعد أن ذكر قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ﴾ (٤) الآية. فكان بينا عند من خوطب بالآية أن غسلهم إنما كان بالماء، ثم أبان الله في الآية أن الغسل بالماء، وكان معقولا عند من خوطب بالآية أن غسلهم إنما كان بالماء، ثم أبان الله في الآية أن الغسل بالماء، وكان معقولا عند من خوطب بالآية أن الماء ما خلق الله مما لا صنعة فيه للآدميين، وذكر الماء عاما، فكان ماء السماء وماء الأنهار، والآبار، والقلات، والبحار، العذب من جميعه والأجاج سواء، في أن من توضأ به أو اغتسل به.
قال أبو بكر: أما حمل المياه التي ذكرها الشافعي، فلا اختلاف بين كل من أحفظ عنه، ولقيته من أهل العلم أن المتطهر به يجزي، إلا ماء البحر فإن فيه اختلافا وأخبارا عن بعض المتقدمين اهـ.
_________
(١) صحيح البخاري الأذان (٧٤٤)، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٩٨)، سنن النسائي الافتتاح (٨٩٥)، سنن أبو داود الصلاة (٧٨١)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (٨٠٥)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٢٣١)، سنن الدارمي الصلاة (١٢٤٤) .
(٢) سنن الترمذي الطهارة (٦٩)، سنن النسائي المياه (٣٣٢)، سنن أبو داود الطهارة (٨٣)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٣٨٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٣٦١)، موطأ مالك الطهارة (٤٣)، سنن الدارمي الطهارة (٧٢٩) .
(٣) سنن الترمذي الطهارة (٦٦)، سنن النسائي المياه (٣٤٨)، سنن أبو داود الطهارة (٦٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٤٢٠) .
(٤) سورة المائدة الآية ٦
1 / 11
هذا وإنه قد بقي من أنواع المياه غير النجسة التي نحب التنبيه عليها بخصوصها ثلاثة أنواع: الماء المسخن، وماء زمزم، والماء المستعمل.
فأما المسخن فنوعان:
١ - المسخن بالشمس، ويسمى المشمس، وقد ضبط صاحب المنهاج من الشافعية المشمس فقال: " وضابط المشمس أن تؤثر فيه السخونة بحيث تفصل من الإناء أجزاء سمية تؤثر في البدن لا مجرد انتقاله من حالة لأخرى بسببها ".
وهذا قد كرهه بعض الفقهاء كالشافعي ﵀، وهو المعتمد عند المالكية، وقول لبعض الحنفية.
وقالوا: إن كراهته من جهة أنه يورث البرص وقد روى الشافعي عن عمر ﵁ كراهية الاغتسال به.
وقالوا: إن الشمس بحدتها تفصل منه زهومة تعلو الماء فإذا لاقت البدن بسخونتها خيف أن تقبض عليه فيحتبس الدم فيحصل البرص.
وقد اشترط بعضهم للكراهية شروطا منها: أن يكون استعماله ببلاد حارة، وفي آنية منطبعة كحديد ونحاس، بخلاف الخزف والخشب والجلود والحياض وبخلاف المنطبع بالذهب والفضة، واشترطوا أيضا للكراهة أن يستعمل في حال حرارته. هذا ملخص ما قاله الشربيني في مغني المحتاج.
والقول الثاني: وهو مذهب الحنابلة، وجمهور الحنفية، جواز استعماله مطلقا بلا كراهة. والذي يظهر أنه إن ثبت أن فيه ضررا على البدن كره من هذه الجهة، وإلا فلا يكره.
والقسم الثاني من المسخن: هو المسخن بالنار:
عامة أهل العلم على جواز التطهر به، قال ابن المنذر ﵀ بعد أن ساق طرفا من آية التيمم: (فالماء المسخن داخل في جملة المياه التي أمر الناس أن يتطهروا بها، وروينا عن النبي ﷺ أنه قال: «الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير (١)» وممن روينا عنه أنه رأى الوضوء بالماء المسخن: عمر بن الخطاب، وابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك - وساق بعض الآثار - ثم قال: " وهو مذهب عطاء، والحسن أبي وائل وكذا قال كل من نحفظ عنه من أهل المدينة، وأهل الكوفة، وكذلك قال الشافعي، وأبو عبيد وذكر أنه قول أهل الحجاز والعراق جميعا ".
_________
(١) سنن الترمذي الطهارة (١٢٤)، سنن النسائي الطهارة (٣٢٢)، سنن أبو داود الطهارة (٣٣٣)، مسند أحمد بن حنبل (٥/١٨٠) .
1 / 12
قال: وروينا عن مجاهد أنه كره الوضوء بالماء الساخن والذي - روى عنه ذلك ليث، وليس لكراهيته لذلك معنى. اهـ.
لكن إن سخن الماء بنجس فللحنابلة تفصيل فيه وهو عندهم على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء فينجسه إذا كان يسيرا.
الثاني: ألا يتحقق وصول شيء من أجزاء النجاسة إلى الماء والحائل غير حصين، فالماء على أصل الطهارة، ويكره استعماله، والشافعي لا يكره استعماله.
الثالث: إذا كان الحائل حصينا، فمنهم من كرهه أيضا كالقاضي أبي يعلى، ومنهم من قال: لا يكره، كالشريف أبي جعفر، وابن عقيل. ولعل الصواب عدم الكراهة؛ لعدم الدليل الموجب لها. والله أعلم.
أما ماء زمزم فقد كره بعضهم الوضوء والغسل بها؛ لقول العباس بن عبد المطلب ﵁: لا أحلها لمغتسل، لكن لمحرم حل وبل. ولأنه يزيل به مانعا من الصلاة، أشبه إزالة النجاسة به، وهذا المذهب من مفردات الحنابلة.
القول الثاني: عدم كراهة الوضوء والغسل منه. دليلهم ما ثبت «أن النبي ﷺ شرب من ماء زمزم وتوضأ فيه (١)»، كما في زوائد المسند عن علي ﵁، قالوا: إن قول العباس هذا لم يثبت عنه بل هو ثابت عن أبيه عبد المطلب، ولو ثبت عن العباس فإنه لم يؤخذ بصريحه في التحريم ففي غيره أولى، وأيضا فإن شرف الماء وبركته لا يوجب كراهة استعماله؛ بدليل الماء الذي نبع من بين أصابعه ﷺ؛ ولأن ماء زمزم يدخل في مطلق الماء. وهذا مذهب الجمهور كما نقله عنهم النووي وصاحب مواهب الجليل. ولعله الصواب إن شاء الله. لكن بعض العلماء كره استعماله في إزالة النجاسة، وبعضهم قال: هو خلاف الأولى، وآخرون بالغوا فقالوا بالتحريم.
وبكل حال فلا دليل على تخصيص ماء زمزم بشيء مما ذكر فهو ماء كسائر المياه، إلا أن له شرفا لبركته التي أخبر عنها النبي ﷺ، وهذا لا يوجب تحريم استعماله في إزالة النجاسة، ولا كراهته وإن كان الأولى عدم إزالة النجاسة به مع وجود غيره.
أما الماء المستعمل: فهو الماء الطهور الذي استعمل في رفع الحدث، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: هل الماء المستعمل طاهر أم نجس؟
_________
(١) مسند أحمد بن حنبل (١/٧٦) .
1 / 13
فيه خلاف:
القول الأول: أنه طاهر، وبه قال عامة الفقهاء سلفا وخلفا، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، ورواية عن أبي حنيفة هي المشهورة عنه، وقول محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية.
الأدلة:
١ - استدلوا بحديث جابر بن عبد الله ﵄ قال: «مرضت فجاءني رسول الله ﷺ يعودني وأبو بكر وهما ماشيان، فأتاني وقد أغمي علي، فتوضأ رسول الله ﷺ ثم صب وضوءه علي فأفقت (١)» . . . الحديث أخرجه الشيخان.
٢ - قول النبي ﷺ: «الماء طهور لا ينجسه شيء (٢)» أخرجه الترمذي وغيره، وقد صححه النووي، قالوا: فيبقى على عمومه إلا ما خصه الدليل.
٣ - أن النبي ﷺ وأصحابه ﵃، كانوا يتوضئون ويتقاطر على ثيابهم ولا يغسلونها. فدل على طهارة الماء المستعمل.
٤ - أن الصحابة ﵃، كانوا يتبادرون إلى فضل وضوء النبي ﷺ فيتمسحون به للتبرك به، ولا يمكن أن يقرهم على التمسح بنجس، ومن ذلك ما أخرجه البخاري من حديث أبي جحيفة ﵁ قال: «خرج علينا رسول الله ﷺ بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به (٣)» . . . الحديث.
٥ - ولأن النبي ﷺ وأصحابه ونساءه كانوا يتوضئون في الأقداح والأتوار ويغتسلون في الجفان، ومثل هذا لا يسلم من رشاش يقع في الماء من المستعمل؟ ولهذا قال إبراهيم النخعي: ولا بد من ذلك. فلو كان المستعمل نجسا لنجس الماء الذي يقع فيه.
_________
(١) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٣٠٩)، صحيح مسلم الفرائض (١٦١٦)، سنن الترمذي الفرائض (٢٠٩٧)، سنن النسائي الطهارة (١٣٨)، سنن ابن ماجه الفرائض (٢٧٢٨)، سنن الدارمي الطهارة (٧٣١) .
(٢) سنن الترمذي الطهارة (٦٦)، سنن النسائي المياه (٣٤٨)، سنن أبو داود الطهارة (٦٦)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٤٢٠) .
(٣) صحيح البخاري الوضوء (١٨٨)، صحيح مسلم الصلاة (٥٠٣)، سنن النسائي الصلاة (٤٧٠)، أبو داود الصلاة (الصلاة)، أحمد (٤/٣٠٧) .
1 / 14
٦ - قالوا: ولأنه ماء طاهر لاقى محلا طاهرا فكان طاهرا، كالذي غسل به الثوب الطاهر، والدليل على أن المحدث طاهر ما روى أبو هريرة ﵁ أن النبي ﷺ لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، قال: فانخنست منه، فذهبت فاغتسلت، ثم جاء إلى النبي ﷺ فقال: «أين كنت يا أبا هريرة؟ " قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة. فقال: " سبحان الله إن المسلم لا ينجس (١)» متفق عليه.
القول الثاني: أن الماء المستعمل نجس، وهو رواية عن أبي حنيفة رواها أبو يوسف، والحسن بن زياد، إلا أن أبا يوسف رأى أن نجاسته مخففة، والحسن رأى أنها مغلظة.
الأدلة:
١ - قول النبي ﷺ: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة (٢)» قالوا: فقرن فيه بين البول فيه والاغتسال منه، والبول ينجسه فكذلك الاغتسال، وقالوا أيضا: حرم الاغتسال في الماء القليل، ولولا أنه ينجس بالاغتسال بنجاسة الغسالة لم يكن للنهي معنى؛ لأن إلقاء الطاهر في الطاهر ليس بحرام، أما تنجيس الطاهر فحرام، فكان هذا نهيا عن تنجيس الماء الطاهر بالاغتسال؛ وذا يقتضي التنجيس به.
٢ - قالوا: إن المحدث قد خرج شيء نجس من بدنه به يتنجس بعض البدن حقيقة، فيتنجس الباقي تقديرا، فإذا توضأ انتقلت تلك النجاسة إلى الماء فيصير الماء نجسا تقديرا وحكما.
المناقشة للأدلة:
نوقش استدلالهم بالحديث وأجيب عنه بعدة أجوبة ملخصها ما يلي:
_________
(١) صحيح البخاري الغسل (٢٨٣)، صحيح مسلم الحيض (٣٧١)، سنن الترمذي الطهارة (١٢١)، سنن النسائي الطهارة (٢٦٩)، سنن أبو داود الطهارة (٢٣١)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٥٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٤٧١) .
(٢) صحيح البخاري الوضوء (٢٣٩)، صحيح مسلم الطهارة (٢٨٢)، سنن الترمذي الطهارة (٦٨)، سنن النسائي الطهارة (٥٧)، سنن أبو داود الطهارة (٧٠)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٣٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٣٤٦)، سنن الدارمي الطهارة (٧٣٠) .
1 / 15
١ - أن دلالة الاقتران ضعيفة - قد قال بها أبو يوسف والمزني - وخالفهما غيرهما من الفقهاء والأصوليين، ومما يرد عليهما قوله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ (١) فلا يلزم من اقتران الأكل بإيتاء الزكاة وجوب الأكل.
٢ - أن رواية الحفاظ من أصحاب أبي هريرة لهذا الحديث هي كما أخرجه الشيخان ولفظهما «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه (٢)» وفي رواية لمسلم «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب (٣)» فقيل لأبي هريرة كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولا ".
أما الرواية المستدل بها عند أبي يوسف والحسن بن زياد فيما يرويانه عن أبي حنيفة، فإنها مما أخرجه أبو داود ولفظها مخالف لما في الصحيحين. وهذا ما أشار إليه البيهقي في سننه ورجح ما في الصحيحين على رواية أبي داود.
٣ - وهو جواب من يرى أن الماء المستعمل طاهر غير طهور كما سيأتي بيانه إن شاء الله، قالوا: إن النهي في الحديث إنما يدل على أنه يؤثر في الماء وهو المنع من التوضؤ به، والاقتران يقتضي التسوية في أصل الحكم، لا في تفصيله.
٤ - وقيل: إن وجه النهي في الحديث ليس لأنه ينجسه، وإنما لأجل أنه يقذره ويؤدي إلى تغيره.
وهذه الأجوبة ملخصة من المجموع للنووي والمغني لابن قدامة وطرح التثريب للعراقي وغيرها.
_________
(١) سورة الأنعام الآية ١٤١
(٢) صحيح البخاري الوضوء (٢٣٩)، صحيح مسلم الطهارة (٢٨٢)، سنن الترمذي الطهارة (٦٨)، سنن النسائي الطهارة (٥٧)، سنن أبو داود الطهارة (٧٠)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٣٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٣٤٦)، سنن الدارمي الطهارة (٧٣٠) .
(٣) صحيح مسلم الطهارة (٢٨٣)، سنن النسائي الطهارة (٢٢٠)، سنن أبو داود الطهارة (٧٠)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٦٠٥) .
1 / 16
٢ - أما ما استدلوا به من أن الحدث نجاسة حكمية على سائر أعضاء البدن فغير مسلم؛ لما سبق من حديث أبي هريرة ﵁ وقول النبي ﷺ: «سبحان الله إن المسلم لا ينجس (١)» . . . "، ولحديث عائشة ﵂ وقول النبي ﷺ لها: «إن حيضتك ليست في يدك (٢)» أخرجه مسلم.
هذا وإن الصواب في هذه المسألة هو: أن الماء المستعمل لا يتنجس بالاستعمال؛ لعدم الدليل الناهض لهذا القول مع توافر الأدلة الدالة على عدم النجاسة، مع أن الأصل في المياه هو الطهارة ما لم يطرأ عليها ما ينجسها، وما ذكروه من التعليل بأن الحدث نجاسة حكمية هذا لا يصح؛ لأن المسلم لا ينجس. والله أعلم.
المسألة الثانية: هل الماء المستعمل طهور أم أن الاستعمال يسلبه الطهورية فيكون طاهرا غير مطهر؟
وهذه المسألة قد وقع فيها خلاف كبير ومشهور على قولين:
القول الأول: أنه طاهر مطهر: وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وسفيان الثوري، وأبي ثور والزهري، والأوزاعي ومالك في أشهر الروايتين عنهما، وروي عن علي، وابن عمر، وأبي أمامة ﵃.
وهو أيضا إحدى الروايات عن أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد اختارها ابن عقيل وأبو البقاء، وإليه مال صاحب الشرح الكبير وقواه صاحب الإنصاف، وهو مذهب الظاهرية، وقول ابن المنذر واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀.
الأدلة:
١ - قوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ (٣) قال ابن المنذر - يرحمه الله - فلا يجوز لأحد أن يتيمم وماء طاهر موجود.
_________
(١) صحيح البخاري الغسل (٢٨٣)، صحيح مسلم الحيض (٣٧١)، سنن الترمذي الطهارة (١٢١)، سنن النسائي الطهارة (٢٦٩)، سنن أبو داود الطهارة (٢٣١)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٥٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٤٧١) .
(٢) صحيح مسلم كتاب الحيض (٢٩٨)، سنن الترمذي كتاب الطهارة (١٣٤)، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (٣٨٤)، سنن أبو داود الطهارة (٢٦١)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٦٣٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/٢٤٥)، سنن الدارمي كتاب الطهارة (٧٧١) .
(٣) سورة النساء الآية ٤٣
1 / 17
٢ - قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (١) قال الباجي في المنتقى شرح الموطأ: " وطهور على مثال شكور وصبور، إنما يستعمل فيما يكثر منه الفعل وهذا يقتضي تكرار الطهارة بالماء ".
٣ - حديث الربيع بنت معوذ ﵂ «أن النبي ﷺ مسح رأسه من فضل ماء في يده فبدأ بمؤخر رأسه إلى مقدمه ثم جره إلى مؤخره (٢)» .
٤ - قول النبي ﷺ: «إن الماء لا يجنب (٣)» . أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وجه الدلالة: أن بعض أزواج النبي ﷺ وهي ميمونة قد اغتسلت في الجفنة من الجنابة، والنبي ﷺ توضأ منها وأنكر على زوجه لما قالت: إنها اغتسلت فيها من الجنابة فقال: «إن الماء لا يجنب (٤)» فدل على طهوريته.
٥ - من جهة القياس: أن رفع الحدث بالماء مرة لا يمنع من رفعه به ثانية كرفعه من آخر العضو بعد تطهير أوله.
قال ابن حزم: " وأما من الإجماع فلا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن كل متوضئ فإنه يأخذ الماء فيغسل به ذراعيه من أطراف أصابعه إلى مرفقه وهكذا كل عضو في الوضوء وفي غسل الجنابة، وبالضرورة والحس يدري كل مشاهد لذلك أن ذلك الماء قد وضئت به الكف وغسلت ثم غسل به أول الذراع ثم آخره، وهذا ماء مستعمل بيقين ".
٦ - ما ذكره ابن حزم أيضا حيث يقول: " ثم إنه يرد يده إلى الإناء وهي تقطر من الماء الذي طهر به العضو، فيأخذ ماء آخر للعضو الآخر، فبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أنه لم يطهر العضو الثاني إلا بماء جديد قد مازجه ماء آخر مستعمل في تطهير عضو آخر ".
٧ - أنه ماء طاهر لاقى بدنا طاهرا فلم يسلبه الطهورية.
_________
(١) سورة الفرقان الآية ٤٨
(٢) سنن النسائي كتاب الطهارة (٩٥)، سنن أبو داود الطهارة (١١٧)، مسند أحمد بن حنبل (١/١٢٢) .
(٣) سنن الترمذي الطهارة (٦٥)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٣٧٠) .
(٤) سنن الترمذي الطهارة (٦٥)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٣٧٠) .
1 / 18
قال ابن المنذر ﵀: " فأجمع أهل العلم على أن الرجل المحدث الذي لا نجاسة على أعضائه لو صب ماء على وجهه أو ذراعيه فسال ذلك عليه وعلى ثيابه أنه طاهر لاقى بدنا طاهرا، وإذا ثبت أن الماء المتوضأ به طاهر وجب أن يتطهر به من لا يجد السبيل إلى ماء غيره ولا يتيمم وماء طاهر موجود؛ لأن في الحديث عن النبي ﷺ: «الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك (١)» . فأوجب الله في كتابه وعلى لسان نبيه ﷺ الوضوء بالماء والاغتسال به على كل من كان واجدا له ليس بمريض ". اهـ.
٨ - أن ما أدي به الفرض مرة لا يمتنع أن يؤدى به ثانيا، كما يجوز للجماعة أن يتيمموا من موضع واحد، وكما يخرج الطعام في الكفارة ثم يشتريه ويخرجه فيها ثانيا، وكما يصلي في الثوب الواحد مرارا.
وقد نوقشت بعض هذه الأدلة بمناقشات نذكر منها:
١ - الآية الكريمة قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (٢) أجيب عن الاستدلال بها من وجهين:
(أ) عدم التسليم بأن فعول تقتضي التكرار هنا؛ لأنها تأتي في العربية للتكرار ولغيره.
(ب) أن المراد بطهور: المطهر والصالح للتطهير والمعد لذلك.
٢ - الاحتجاج بحديث الربيع وفيه: «أن النبي ﷺ مسح رأسه بفضل ماء كان في يده (٣)» .
وأجيب عنه بأن هذا لفظ أبي داود في سننه وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد رواه مسلم وأبو داود وغيرهما عن عبد الله بن زيد ﵁ أنه «رأى النبي ﷺ توضأ فذكر صفة الوضوء إلى أن قال: ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، وغسل رجليه (٤)» .
_________
(١) سنن الترمذي الطهارة (١٢٤)، سنن النسائي الطهارة (٣٢٢)، سنن أبو داود الطهارة (٣٣٢)، مسند أحمد بن حنبل (٥/١٨٠) .
(٢) سورة الفرقان الآية ٤٨
(٣) سنن أبو داود الطهارة (١٣٠) .
(٤) صحيح البخاري الوضوء (١٩٩)، صحيح مسلم الطهارة (٢٣٥)، سنن الترمذي الطهارة (٣٢)، سنن النسائي الطهارة (٩٧)، سنن أبو داود الطهارة (١٢٠)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٤٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/٣٨)، موطأ مالك الطهارة (٣٢) .
1 / 19