Lessons of Sheikh Osama Suleiman
دروس الشيخ أسامة سليمان
Nau'ikan
تمكين الله لبني إسرائيل في مصر في زمن يوسف ﵇
الحمد لله رب العالمين، ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة:٧ - ٩]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر:٣].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له، ولا مثيل ولا نظير له، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
وأشهد أن نبينا ورسولنا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ما من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: فما زلنا مع قصص القرآن في سورة البقرة، وحديثنا عن قصة تحمل عنوان: عجل بني إسرائيل، فبعد بقرة بني إسرائيل نعيش مع عجلهم.
إن الناظر في تاريخ القوم في عجالة سريعة يجد أن حياة التمكين والعز كانت لهم في أول الأمر، وذلك يوم أن جاءوا من الشام إلى مصر في عهد الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعًا الصلاة والسلام.
يوسف ﵇ الذي أدار شئون مصر الاقتصادية، وقال لملكها ولعزيزها: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ﴾ [يوسف:٥٥]، وقد كانت كل البلاد من حول مصر تعاني من مجاعة عظيمة، إلا مصر بفضل يوسف ﵇، فجاء الجميع إلى مصر ليأخذوا من قمحها وأرزها وطحينها، وهبّت مصر لتوزّع على الدنيا بأسرها.
فأين أنت اليوم يا مصر؟! بتّ تستوردين رغيف الخبز من إخوان القردة والخنازير، نسأل الله أن يمكن دينه.
يوسف الصدّيق طلب من العزيز أن يجعله على خزائن الأرض وبرر ذلك بقوله: ﴿إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف:٥٥]، أي: أن مقومات القائد الذي يتولى الاقتصاد: الحفظ والأمانة، فلا تسريب للمليارات من جيوب هذا الشعب الكادح المسكين المعاني، وانظروا إلى مصر وإلى تاريخها، وممن جاء إلى مصر أبوه وأمه، وإخوته العشرة بخلاف بنيامين ﵇، فنظر يوسف ﵇ إلى إخوته عندما جاءوا إليه جميعًا يشكون الجوع والقحط في أرض الشام: ﴿قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ [يوسف:٨٨]، أي: من خيرات مصر، يقول ربنا: ﴿فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ [يوسف:٥٨].
من هنا نستطيع أن نقول: إن المؤمن يرى بنور البصيرة، فقد رآهم بنور طاعته وعبادته وتوحيده، وهم لم يعرفوه بظلمة معصيتهم، لأنهم قديمًا قد مكروا به وكادوا له، والحسد والكبر والقتل من مقومات الشخصية اليهودية، فهذا هو تاريخهم الأسود، مكروا بأخيهم، فأخذوه طفلًا لا قوة له، وما منعهم بكاؤه واستنجاده بهم، فقد جردوه من قميصه، وهذا هو خلق اليهود ﴿لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً﴾ [التوبة:١٠] فإن كان هذا مع الأخ، فما بالك مع أطفال فلسطين؟! وما بالك مع أطفال الموحدين؟ هذا هو تاريخهم.
والحاصل أنهم جاءوا إلى يوسف فأعطاهم وتصدق عليهم وأوفى لهم الكيل، وبنور بصيرته عرفهم، ولذلك دخل على عثمان ﵁ رجل نظر إلى امرأة نظرة محرمة لا تحل له فقال: أتدخلون على أمير المؤمنين وأثر الزنا في وجوهكم؟! فقالوا: أوحي بعد رسول الله يا عثمان؟! ما هذا الذي نسمع؟ أيوحى إليك؟ قال: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله.
فهذا نور البصيرة.
وعمر بن الخطاب بينما هو يخطب في المدينة على المنبر، وقد أرسل إلى نهاوند -تبعد عن المدينة آلاف الكيلو مترات- جيشًا وأمّر عليه سارية، فينظر إلى أرض المعركة بنور البصيرة، فإذا بـ سارية يقترب من النصر إلا أنه قد تخلى عن الجبل، كحال الصحابة في يوم أحد، فيستدير العدو ليحيط به من خلف الجبل، فإذا بـ عمر ينادي وهو يخطب: يا سارية الجبل الجبل، ومن استرعى الذئب ظلم، فإذا بالحضور يتعجبون من عمر، ينادي من؟ ويخاطب من؟ وإذا بصوت عمر يصل إلى أذن سارية بنور البصيرة، فيلزم الجبل
3 / 2