Lessons of Sheikh Mohammed Al-Duwish
دروس الشيخ محمد الدويش
Nau'ikan
جميع أعمال الخير وخدمة الدين مطلوبة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا ﷺ عبده ورسوله، أما بعد: فهذه المحاضرة هي امتداد للدروس التربوية التي كانت تلقى أثناء العام الدراسي، وقد وعدت أن أستأنف هذه الدروس خلال الإجازة وتكون مفرقة على المراكز الصيفية داخل الرياض وخارجها، وبمشيئة الله ﷾ مع بداية العام الدراسي تعود هذه الدروس إلى مكانها وزمانها.
وهذا هو الدرس الثامن وهو بعنوان: كلانا على خير، وقد اعتدت وأنا أحرص قدر الإمكان على أن يكون العنوان واضحًا، وتكون له دلالة واضحة على المضمون، حتى يعرف من يقرأ إعلان المحاضرة أو من يقرأ عنوان الشريط مضمون ما فيه، لكن هذه المحاضرة قد نحتاج إلى أن نقف وقفة يسيرة حتى نحدد موضوعها.
وهذا العنوان عبارة قالها الإمام مالك رحمه الله تعالى، فقد كتب إليه أحد العُبّاد يُنكر عليه اشتغاله بالعلم ويدعوه إلى التفرغ للعبادة، فكتب له مالك ﵀: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرُب رجل فُتح له في الصلاة ولم يُفتح له في الصوم، وآخر فُتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فُتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فُتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر.
فالإمام مالك يقول لصاحبه: إن الأعمال تتفاوت، والله ﷾ قسم الأعمال بين الناس، فرُب رجل فُتح له في باب ولم يُفتح له في آخر، وإن كنت أنا على طريق وأنت على طريق آخر فكلانا على خير وبر، فكل هذه الطرق تؤدي إلى المقصود والمطلوب، وحين نلقي نظرة عجلى وسريعة على الجهود المبذولة لإحياء الأمة وإيقاظ الأمة نجد أن هناك أساليب متنوعة وطرقًا شتى فتجد من عُني بالعلم وأخذ على عاتقه إزالة غشاوة هذا الجهل المتفشي في الأمة، فسلك سبيل العلم تعلمًا وتعليمًا ودعوة إليه، ورأى أن إيقاظ الأمة إنما يكون من خلال هذا الباب.
والثاني رأى أن هذه الأمة إنما كانت خير أمة أخرجت للناس؛ لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فسخّر وقته وجهده لإنكار المنكرات الظاهرة والعامة والخاصة فاستغرق عليه ذلك جهده ووقته، ورأى أن هذا هو الطريق الذي ينبغي أن يُسلك لإنقاذ الأمة، وأنه بمثل هذا العمل يدفع الله ﷿ العذاب عن الناس.
وثالث قد تألم لحال وواقع من استهواهم الشيطان فوقعوا في الانحراف والرذيلة، فسخّر وقته وجهده لدعوة هؤلاء وإنقاذهم من خلال وسائل وطرق وأساليب شتى، فكل وقته وجهده مسخّر لأولئك الذين ضلوا عن صراط الله وسلكوا سبيل الانحراف والغواية.
ورابع قد رق قلبه للأكباد الجائعة، والبطون الخاوية، فصار ينفق من نفيس ماله، ويجمع الأموال من فلان وفلان فينفقها في أوجه الخير على الأرامل والمحتاجين، ولنشر الدعوة والجهاد، إلى غير ذلك من أبواب الإنفاق، فهذا شأنه وهذا ديدنه.
والخامس قد استهوته حياة الجهاد، فحمل روحه على كفه، وامتطى صهوة جواده، فهو كما قال ﷺ: (كلما سمع هيعة لبى وطار) فيومًا تراه في المشرق، ويومًا تراه في المغرب، ويومًا تراه هنا وهناك يسعى للجهاد في سبيل الله، وأصبح لا يطرب أذنه ولا يشنفها إلا أزيز الرصاص وصوت السلاح، ورأى أن هذه الأمة أمة جهاد، وأن الجهاد هو السبيل لرفع الذل عن هذه الأمة.
والسادس رأى أن هذا الدين دين الناس جميعًا فسخّر جهده لدعوة غير المسلمين.
والسابع سخّر قلمه لخوض المعارك الفكرية دفاعًا عن الإسلام، ومصاولة لأعدائه، والمتحدثين زورًا باسمه، كتابة وخطابة وتأليفًا فصار يتحدث عن مشكلات الأمة، وعن قضاياها، وقد لزم هذا الثغر يواجه به أعداء الله ﷾.
وآخر هؤلاء من رأى أن الأمة عدتها وأملها إنما هو في شبابها وجيلها الناشئ، فسخّر وقته لتربية الشباب، وإعدادها وتنشئتهم على طاعة الله ﷾، ورأى أن هذا الطريق هو الذي يخرج العاملين والمجاهدين وينقذ الأمة، وهكذا ترى أبوابًا من الخير، وألوانًا من الخدمة لهذا الدين والدعوة له، أبواب واسعة تسع الجميع على اختلاف طاقاتهم وعقولهم وعلومهم ومداركهم وأفهامهم، فنتساءل هنا: هل نضيق ذرعًا بهذه الاجتهادات؟ أم هل نرى أن هذا من الخلاف والتنافر والخلل؟ أم أن نبحث عن طريق واحد لأن الحق لا يتعدد، وصراط الله المستقيم إنما هو واحد، والسبيل لإنقاذ الأمة سبيل واحدة واضحة! أو أن هناك منطقًا آخر من التفكير ينبغي أن نفكّر فيه هو أن هذه الجهود كلها مطلوبة، وهذه الجهود لا بد من القيام بها، فلا بد أن يقوم فلان بهذا العمل، والآخر بذاك، والثالث بالعمل الآخر، وهكذا لا بد أن ندخل جميعًا من أبواب متفرقة، ولا بد أن نسد جميعًا هذه الثغور وأن نقف على هذه الفصول، قد نستعجل فنحكم بهذه النتيجة فنقول: إن هذا هو ما ينبغي أن
3 / 2