142

Lessons of Sheikh Mohammed Al-Duwish

دروس الشيخ محمد الدويش

Nau'ikan

المقصود بإدراك أهمية الوقت واغتنامه الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا ﷺ عبده ورسوله. أما بعد: العنوان كما سبق أن أشرنا: (مقترحات في اغتنام الوقت). لاشك أن الحديث عن الوقت، وعن أهميته وفضله، وضرورة اغتنامه، حديث ربما يكثر في مجالسنا، وفي مناسباتنا، وفي منتدياتنا، ونسمع الحديث الكثير ممن يتحدث عن الوقت مستشهدًا على ما يقول ببعض النصوص الشرعية، ثم بأقوال السلف، وأعمالهم وأحوالهم في اغتنام أوقاتهم. وحين يعيش المرء مع ذلك؛ فإنه يرى العجب العجاب من سير القوم، ويطمح فعلًا إلى أن يدرك أهمية الوقت، ويحرص على اغتنامه. وأظن أن جميع الناس في الجملة يدرك إدراكًا نظريًا ومعرفيًا أن الوقت مهم، وأن الوقت قصير، لكن ما هو حجم هذا الإدراك؟ ثم ما مدى تحول هذا الإدراك إلى سلوك؟ أعني هل تحكم هذا الإدراك في سلوكه فصار سلوكه في التعامل مع وقته هو سلوك ذاك الذي يدرك أن الوقت هو الحياة؟ وأن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك؟ وأن الوقت هو عمر الإنسان؟ وكل ما مضى من الوقت إنما هو جزء يختصر من عمر الإنسان؟ هل هؤلاء يدركون هذا الأمر حقيقة الإدراك أم لا؟ أظن أن الكثير من الناس إن أدرك شيئًا من ذلك إدراكًا نظريًا ومعرفيًا إلا أن هذا الإدراك لم يتحول إلى سلوك، أو -على الأقل- أن سلوكه لم ينضبط بمثل هذا الإدراك وبمثل هذه النظرة لوقته. آثرت أن يكون الحديث حول هذا الجانب بالذات؛ لأن الحديث -كما قلت- عن أهمية الوقت، وإيراد الشواهد على ذلك. ثم أيضًا هو حديث جميل ومفيد، ويؤثر في النفس ولا شك، لكن أشعر أن تحديد خطوات عملية نعيشها في حياتنا اليومية ربما يكون أكثر أثرًا، وربما نكون أكثر حاجة إليه. وآثرت التعبير بالمصطلح النبوي تبركًا وتيمنًا بهذا التعبير، ولا شك أن المصطلحات الشرعية التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ كلما حافظنا عليها فهو أولى، فالنبي ﷺ قد قال: (اغتنم خمسًا قبل خمس، ومنها: فراغك قبل شغلك). وأخبر ﷺ أن الخاسر في وقته إنما هو مغبون كالذي يبيع سلعته بأقل مما تستحق، أو يشتريها بأكثر مما تستحق، كما ثبت عنه ﷺ: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ). وذلك أن كثيرًا من الناس مغبون، فقد تهيأت له نعمة الصحة، ونعمة الفراغ، لكنه لم يغتنمهما الاغتنام الذي يستحق، فكأنه قد خسر خسارة كبيرة، وهو حين ينفق وقته فيما لا يستحق، أو في أقل مما يستحق، فإنه يكون مغبونًا في وقته. وفرق بين اغتنام الوقت واستثمار الوقت، وبين الاغتنام الأمثل للوقت، الذي ينبغي أن يكون هو شعارنا؛ ولهذا فإن الذي يشتري السلعة التي تساوي عشرة بثلاثين يعتبر مغبونًا، والذي يشتريها بعشرين يعتبر مغبونًا، والذي يشتريها بخمسة عشر مثلًا يعتبر مغبونًا، كذلك الذي يغتنم جزءًا من وقته، ويضيع الجزء الكبير فهو مغبون، وإن كان الغبن يختلف ويتفاوت بين الناس. وإدراك هذا المعنى الدقيق في الحديث يجعلنا ننظر إلى قضية اغتنام الوقت نظرة أدق، وأن نحاسب أنفسنا على الوقت الذي يضيع أكثر مما نحاسبها على الوقت الذي نغتنمه. أحيانًا يعتبر الإنسان أنه اغتنم ساعات أو أوقاتًا، ويرى أن هذه خطوة إيجابية، أو يرى أن هذه صورة من صور اغتنامه للوقت، بينما المفروض أن ينظر ما هي الأوقات التي تضيع؛ لأن الأصل أن يغتنم الأوقات كلها، ويحاسب نفسه على الوقت الذي يضيع. واغتنام الوقت أمر يتفاوت، فليس هو درجة واحدة، والغبن للنفس في هذا يتفاوت.

5 / 2