117

Lessons of Sheikh Mohammed Al-Duwish

دروس الشيخ محمد الدويش

Nau'ikan

الاهتمام بمآسي المسلمين ومشاكلهم أيضًا هم آخر: مآسي المسلمين ومشاكلهم هي الأخرى يجب أن تأخذ مساحة من اهتمامك. فتفكر في أحوال إخوانك المسلمين، وتقرأ وتسمع عن أحوالهم، وتثير هذه القضايا، كل هذه الاهتمامات يمكن أن تصب في نهر واحد، ويمكن أن نقول: إنها طرق تؤدي إلى نتيجة واحدة، ويجب أن يسير فيها الشاب بخط متوازن كما سيأتي. يقول ابن القيم: وبالجملة فالقلب الصحيح هو الذي همه كله في الله، وحبه كله له، وقصده له، وبدنه له، وأعماله له، ونومه له، ويقظته له، وحديثه والحديث عنه أشهى إليه من كل حديث، وأفكاره تحوم على مراضيه ومحابه، والخلوة به آثر عنده من الخلطة إلا حيث تكون الخلطة أحب إليه وأرضى له، قرة عينه به، وطمأنينته وسكونه إليه، فهو كلما وجد من نفسه التفاتًا إلى غيره تلا عليها: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾ [الفجر:٢٧ - ٢٨]. فيردد عليها الخطاب بذلك ليسمعه من ربه يوم لقائه، فينصبغ القلب بين يدي إلهه ومعبوده الحق بصبغة العبودية، فتصير العبودية صفته، وذوقًا لا تكلفًا، فيأتي بها توددًا وتحببًا وتقربًا كما يأتي المحب المتيم في محبة محبوبه لخدمته وقضاء أشغاله. ولهذا كان نبينا ﷺ يقول: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)؛ لأنه يناجي فيها إلهه ﷾، ولهذا كان يدعو ﷺ ويقول في دعائه لربه: (اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك). إن هذا الذي يشتاق إلى الله ﷾ لن يصبح في قلبه شوق إلى غير الله ﷿، فهما متناقضان لا يجتمعان أبدًا، فلا يمكن أن يشتاق للشهوة الحرام، ولا اللذة الحرام، ولا لما حرم الله، ويشتاق لمحبة الله ﷿ ولقاء الله؛ لأنه يعلم أن هذا يطرد ذاك، وهذا يرفض ذاك، وهذا لا يمكن أبدًا أن يجتمع مع ذاك. إذًا: فهذه مجالات ينبغي أن نهتم بها، وحين يهتم بها الإنسان فإنها تسيطر على شعوره وعلى تفكيره، وأنا في الطريق في السفر كنت أسمع أحد الأشرطة، فسمعت حديثًا وكان في ذهني هذا الموضوع، وفعلًا تتعجب من العقلية التي كانت تسيطر على أصحاب النبي ﷺ، فالنبي ﷺ ذكر لهم حديث الدجال فقال: (يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، ويوم كأيامكم)، فهم مباشرة سألوه فقالوا: (يا رسول الله! اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟) يعني: ما فكر الصحابة في طول هذا اليوم، مع أن النبي ﷺ يحدث عن الدجال، وصارت الصلاة قضية تسيطر عليهم وعلى همومهم، فمباشرة ذهب إلى أذهانهم هذا السؤال. وتحفظون قصة عمر بن الخطاب ﵁ عندما طعن وأفاق قال: أصلى المسلمون؟ وأتاه شاب فلما انصرف قال: ارفع إزارك. وهو يعاني من سكرات الموت. والنبي ﷺ وهو في مرض موته كان يقول: (أخرجوا الكفار من جزيرة العرب)، (لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد)، (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)، فكان له هم يسيطر عليه. وهكذا يجب أيها الإخوة! أن ترقى اهتماماتنا إلى هذه المراتب العالية والسامية، ولا يكفينا منك أن تكون هذه اهتماماتك، فقد ترى الكثير من الشباب يهتم هذه الاهتمامات الجادة، لكن قد يكون هناك خلل.

4 / 13