Lessons of Sheikh Ibrahim Al-Fares
دروس للشيخ إبراهيم الفارس
Nau'ikan
نماذج معاصرة في المنهج العقلاني
لو قرأت في كتب محمد عمران وكتب محمد الغزالي، وكلاهما من المعاصرين، وفي كتب أحمد أمين وقد مات وفي كتب كثيرة لهؤلاء العقلانيين؛ لوجدت أن فيها أمورًا تحكم العقل.
مثال ذلك: في النصوص الشرعية الثابتة (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وهو حديث ثابت في الصحيحين فالعقلانيون أصلوا في أذهانهم أن المرأة مثل الرجل، وتحكم كما يحكم الرجل، والدليل على ذلك عندهم: أنديرا غاندي ومارجريت تاتشر وتنسوتشيلر وغيرهن من النساء اللاتي يحكمن، فما الفرق بين المرأة والرجل في هذه الحال؟ فلما جاءهم الدليل: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فوجئوا أن هذا الدليل معارض، لكنهم وجدوا أن هذا الحديث آحاد فردوه.
فهم ردوه لأنه عارض المنهج العقلي، فجعلوا العقل هو المحكم للنقل، والنقل مجرد محاك للعقل، فما قبله العقل أخذ، وما رده العقل رد، ولا يهم كيف يكون شأن هذا المردود: هل هو قرآن أو سنة ثابتة أو غير ثابتة؟ فأهم شيء عندهم الرد لأنه عارض العقل.
مثال آخر حديث الذبابة: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء) فالعقلانيون يقولون: مرفوض عقلًا وبالتالي فهو مردود، بالرغم من أنه حديث ثابت وشبه متواتر.
كذلك حديث: (من اصطبح بسبع تمرات لم يضره سحر في ذلك اليوم) يقولون: هذا مرفوض عقلًا؛ لأن السحر داء نفسي والتمر علاج عضوي، ولا يمكن أن يؤثر هذا في هذا، فهو مرفوض، في نصوص كثيرة طبقوا عليها هذا المنهج.
وختام القول في هذا المنهج: أن العقلانيين المعاصرين يدعون دعوة مؤصلة إلى إخضاع كل النصوص الشرعية للجوانب العقلية، وخاصة مسائل العقيدة، وهذا هو لب الموضوع، أي: إذا تحدثت عن صفات الله أخضعها للعقل، وإذا تحدثت عن يوم القيامة أخضعها للعقل، فعذاب القبر مثلًا قضية عقدية، فالعقلانيون لا يتصورون أن في القبر عذابًا؛ لأنهم يحفرون القبر فلا يجدون فيه إلا عظامًا، فأين عذاب القبر؟ إذًا: ليس هناك عذاب قبر.
لكن الآيات القرآنية تبين عذاب القبر كما في قول الله ﷾ حاكيًا عن فرعون: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ [غافر:٤٦].
ويوم القيامة ليس فيه غدو ولا عشي، فهم يعرضون على النار غدوًا وعشيًا قبل يوم القيامة، أما يوم القيامة فيدخلون أشد العذاب، فهذه الآية أثبتت عذاب القبر.
ومما يثبت عذاب القبر حديث ثابت صحيح: (مر الرسول ﷺ على قبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يتنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة).
فقال العقلانيون: إن العذاب المقصود به: هو عذاب قبل دخول النار، والحديث هذا مردود، وهكذا قاسوا العقائد بهذا المنطلق، فضلوا حتى وصل الأمر بهم إلى أن كثيرًا من معتزلة اليوم، قد خرجوا عن الإسلام تمامًا، للاختلال الواضح في عقائدهم وفيما يتعلق بعقائدهم في الإيمان بالله أو في الملائكة، حتى وصل بهم الأمر إلى أن أنكروا الملائكة والجن بحكم أنها أمور غيبية، والقرآن تحدث عن الجن، وبين الله ﷾ ذلك في قوله: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف:٢٧].
فإذا أنكرت الجن أنكرت هذه الآية، وإذا أنكرت آية فكأنك أنكرت القرآن كله، ومن أنكر شيئًا من القرآن فقد كفر وخرج عن ملة الإسلام، وهكذا يسير معتزلة اليوم على منهج يبتعد شيئًا فشيئًا عن دين الله ﷾.
2 / 16