184

Lessons from Sheikh Abdul Rahman Al-Mahmoud

دروس للشيخ عبد الرحمن المحمود

Nau'ikan

تطبيق النبي ﷺ العملي للجهاد في سبيل الله ثانيًا: من الجوانب العملية بعد الهجرة النبوية الجهاد في سبيل الله: وهذا الجهاد في سبيل الله على درجات، لكن أعلاه وأعظمه أن يقدم الإنسان نفسه وروحه في سبيل الله، وهذا ما كان علمًا بارزًا من الأعلام التي تدل على حياة الصحابة ﵃ وأرضاهم، فهؤلاء الصحابة ﵃ وأرضاهم لما فرض الجهاد في سبيل الله ﷾ كان الواحد منهم يعيش حياته جهادًا من أولها إلى آخرها، وهذا الجهاد هو التطبيق العملي، ولهذا فإن النبي ﷺ حذرنا من شيء إذا تخلينا عنه -وهو من الآثار العملية التطبيقية للعقيدة- فإننا سنتصف بالذل، فقال ﵊: (وما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا أذلهم الله). والجهاد في سبيل الله مثال عملي عظيم، حيث يقدم الإنسان نفسه في سبيل الله ﵎، والدنيا لا تساوي شيئًا، والحياة كلها قصيرة ذات كدر، فمن قدم نفسه في سبيل الله ﵎ في الجهاد فقد أفلح، ولهذا فإن النبي ﷺ بين فضل المجاهدين في سبيل الله؛ لأنه فعلًا تطبيق عملي، والواحد منا ما عنده مانع أن يبذل ساعة من وقته، وما عنده مانع أن يبذل جزءًا من ماله، وما عنده مانع أن يبذل شيئًا من جهده وقدرته، لكن أن يبذل نفسه في سبيل الله فلا! ولهذا لما جاء الصحابي الذي اعترف بالزنا والصحابية التي اعترفت بالزنا أقام عليهما رسول الله ﷺ الحد، ولما رجمت الصحابية ﵂ وأرضاها سبها أحد الصحابة، فنهاه النبي ﷺ وأخبره أن هذه قد قدمت نفسها في سبيل الله، يعني: رضيت أن تقدمها ليقام عليها حكم الله ﷾، فكيف إذا قدم الإنسان نفسه وجاد بها في سبيل الله ﵎؟! إن ذلك أعظم دليل على صدق الإيمان بالله ﵎، ولذلك كان حديث القرآن عن المنافقين والمترددين والمشككين وغيرهم أعظم ما يتمثل في تركهم وتقاعسهم عن الجهاد في سبيل الله ﵎، أما ذلك المقبل على الجهاد في سبيل الله مقدمًا نفسه، فهذا دليل الإيمان. إذًا: الجهاد في سبيل الله تطبيق عملي عظيم جدًا يدل على صدق الإيمان، ويدل على قوة الإيمان، ويدل على أن هذا الإنسان فعلًا يؤمن بالله، ويحب الله، ويحب لقاء الله، وقد أخبرنا رسول الله ﷺ فقال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)، لهذا كان الجهاد في سبيل الله ﵎ علامة بارزة عملية في حياة المسلمين. والصحابي الذي كان في وسط المعركة، وليس بينه وبين الجنة إلا لحظات، هذا الصحابي الجليل يقول: (والله! إني لأجد ريح الجنة من وراء أحد)، وآخر كان معه تمرات يأكلها ليتقوى بها على المعركة، فلما بدأ يأكلها استبطأ الجنة، واستبطأ الشهادة في سبيل الله. وقال: إنها لحياة طويلة أن أعيش إلى أن أكمل أكل هذه التمرات! ثم رمى بها، واتجه إلى المعركة، فقاتل حتى قتل في سبيل الله، هذا جانب عملي في حياة المؤمنين، أما الدعاوى فقد يدعي الإنسان ويدعي ويدعي، ثم إذا طُلب منه القليل في الدعوة إلى الله ﷾ تكاسل! وهذا يدل على أن تلك الدعاوى غير صحيحة.

8 / 13