Lessons by Sheikh Safar al-Hawali
دروس للشيخ سفر الحوالي
Nau'ikan
القانونيون وتناقضاتهم
يقول الشيخ: 'وأما القانونيون فمتناقضون حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول ﷺ، ويناقضون ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلًا' سبحان الله! وكأنَّ هذه الآيات ما نزلت إلا علينا في هذا الزمن ' وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء:١٥١] ' أي: الذين يفرقون بين الله ورسوله، ويقولون: ﴿نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [النساء:١٥٠]، وقال تعالى: ﴿كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ﴾ [الحجر:٩٠] أي: الذين قسموا القرآن والدين، وكما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحجر:٩١] أي: أجزاءً يأخذون بعضًا ويتركون بعضًا.
فتجد هؤلاء يؤمنون بالله ويوحدونه، ويقرون أن النبي ﷺ خاتم النبيين، وأنه نبي للعالمين، وأنه أمرنا بالصلاة والزكاة والصوم وإلخ.
كل هذا يقرون ويؤمنون به؛ لكن إذا ما جئنا إلى الكلام عن الربا مثلًا: تراه يضطرب، ويجادل، ويؤول النصوص ويحرفها، فقائل يقول: نريد الاشتراكية؛ لأنها تمنع الاستغلال، وتساوي في الملكية بين الشعب والحكومة! ومع أنه يصلي ويصوم إلا أنه في الجانب الاقتصادي يريد الاشتراكية.
وآخر يقول: لا.
لا نريد الاشتراكية، نحن نريد الاقتصاد الحر، لأنه ليس فيه قيود بأن هذا حلال وهذا حرام؛ فهو يريد الرأسمالية!! وتجد ثالثًا يقول: الدين كله طيب ونؤمن به؛ لكن موضوع المرأة مشكل فإن المرأة في بعض دول العالم أصبحت رئيسة للبلاد، وفي بعضها وزيرة وأنتم لا تزالون تمنعونها من العمل، وتقولون: تبقى في بيتها، ولا تشهد حتى صلاة الجماعة، والرجال قوامون على النساء!! هذا مع أنه يصلي ويصوم.
وتجد رابعًا يقول: في مسألة معاداة الكفار، وعدم موالاتهم مع كثرة النصوص المبينة، لذلك تجده يقول: كان هذا في السابق قبل النظام العالمي الجديد، أما الآن فقد أصبحنا أسرة دولية، ومجتمعًا دوليًا واحدًا، ولم يعد هناك عداوات، فتقول له: ونصوص القرآن؟ فيقول: القرآن صحيح ولا ينكره؛ لكنه يفرغ الآيات عن مقتضاها ويحرفها؛ ولهذا لم ترَ في إذاعات العالم الإسلامي وصحافته وتلفازه من يقول ويصف دول الكفر بأنها دول كافرة، وإنما قد يقولون: دولًا غير إسلامية.
والأمثلة على ذلك تطول، ونظرة سريعة على أحوال كثير من المسلمين اليوم تبين لك بجلاء أن منهم من يؤمن ببعض ويكفر ببعض، والله المستعان.
يقول الشيخ ﵀: ' أما القانونيون فمتناقضون '.
لإنهم يفرقون بين الله ورسله، ويفرقون بين أحكام الله وبين أحكام رسوله ﷺ، وهذا كثيرًا جدًا، فتجد أن بعض الناس يهتم ويحرص على بعض السنن، مثل: تقديم طعام العَشاء على صلاة العِشاء إذا حضر، لكن لو ذكرت له اللحية -مثلًا- فإنه يأبى أن يلتزم بها، وقس على ذلك، فيأخذ ما يوافق الهوى ويترك منها ما يخالفه، نعوذ بالله من ذلك.
وتجد ذلك في بعض المسائل الفقهية المختلف فيها؛ فإذا أراد أن يكشف وجه المرأة، قال لك: قال بعض العلماء: إنه ليس بعورة ولا شيء فيه! أما إذا كان الكلام عن قريبته، فهو لا يريد أن يراها أحد، ويقول: لا يجوز الكشف، وهذا هو ما سماه الله نفاقًا، وهو النفاق بعينه؛ لأنه جعل القرآن والسنة عضين، يأخذ منهما ما يوافق الهوى ويترك ما يخالفه!! يقول ﵀: 'ثم انظر كيف ردت هذه الآية الكريمة على القانونيين ما زعموه من حسن زبالة أذهانهم، ونحاتة أفكارهم بقوله ﷿: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:٥٠] ' قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: 'ينكر تعالى على من خرج من حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعَدَل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله؛ كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم'.
فهذا هو المثال الأول: وهو أن أهل الجاهلية كانوا يتحاكمون إلى الطواغيت والكهان، فيذهبون إلى الكاهن ليحكم بينهم، أو إلى شيخ القبيلة، أو إلى الأزلام يضربونها.
قال -والكلام لا يزال لـ ابن كثير -: 'وكما يُحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم كتابًا مجموعًا من أحكام، قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه'.
هذا هو المثال الثاني، وهو يدل على فقه ابن كثير وفهمه للواقع.
وهذا الكتاب الذي وضعه جنكيز خان هو " الياسق "، وكما قال الشيخ ﵀: 'وقد اقتبسه من شرائع شتى وكثير مما فيه مأخوذ من الشريعة الإسلامية'.
فكأن جنكيز خان جعل الشريعة الإسلامية مصدرًا أصليًا ولم يجعله احتياطيًا، فكيف بمن يجعل الشريعة الإسلامية مصدرًا احتياطيًا وليس هو أول المصادر الاحتياطية، فغالبًا ما يكون الثالث أو الرابع؟! يقول: 'فصارت في بنيه شرعًا متبعًا يقدمونها على الحكم بكتاب الله، وسنة رسوله ﷺ فمن فعل ذلك -أي: من تحاكم إلى هذه الأهواء سواء كانت الجاهلية أو أحكام الياسق - فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحكِّم سواه في قليل ولا كثير، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ [المائدة:٥٠] أي: يبتغون ويريدون وعن حكم الله يعدلون: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:٥٠] أي: ومن أعدل من الله في حكمه، لمن عَقَل عن الله شرعه وآمن به وأيقن، وعلم أن الله أحكم الحاكمين، وأرحم من الوالدة بولدها، فإنه تعالى العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء' انتهى كلام ابن كثير.
فهذه الصفات كلها لله وحده.
أولًا: علم الله ﵎ الذي أحاط بكل شيء علمًا، وهو كما قال الشيخ الأمين ﵀: أنه لا يستطيع أن يشرع إلا من كان علمه محيطًا بكل شيء وليس ذلك لأحد إلا لله وحده ﵎.
وثانيًا: قدرة الله ﷾ على كل شيء؛ فإن العاجز الضعيف لا يمكن ولا يصلح أن يكون مشرعًا.
وثالثًا: عدل الله الكامل، فالله هو العادل في كل شيء، ثم هو أرحم من الوالدة بولدها، وعندما قال الله تعالى في حق عبده ورسوله ﷺ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:١٠٧] ظن كثير من الناس أن رحمة الله تعالى بالنبي ﷺ مختصة بالمسلمين، والحقيقة أن الله رحم به العالمين، حتى الكفار نالهم من رحمة الله ببعثة محمد ﷺ الشيء الكثير، فإن أهل الذمة أمنوا على أنفسهم وعلى أموالهم، والمحاربون الذين يحاربهم المسلمون وجدوا هذه الحرب التي لا نظير لها في التاريخ حربًا إسلامية، فلا مثلة فيها، ولا قتل لصغير ولا لكبير ولا امرأة ولا للرهبان المعتكفين في الصوامع.
2 / 8