191

Lessons by Sheikh Safar al-Hawali

دروس للشيخ سفر الحوالي

Nau'ikan

حياة الرسول ﷺ في قبره ورده السلام على الناس
السؤال
لقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: ﴿الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون﴾ وثبت عنه: ﴿ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه﴾ وثبت عنه: إن الله وكل ملكًا أعطاه سمع العباد فما من مسلم يصلي علي إلا وبلغني منه الصلاة﴾ أو كما قال، فما نوع هذه الحياة التي امتاز الأنبياء عن غيرهم بها إن كنا نقول إنها حياة برزخية؟ ثم كيف نوفق بين هذه الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وإذا ردت روحه ﷺ عليه فهل يعني هذا أن روحه لا تزال مردودة في الليل والنهار، لكثرة من يسلم عليه في مشارق الأرض ومغاربها؟ وهل يسمع هو ﷺ السلام عليه عند قبره؟ وإن كان الجواب بالنفي، فلماذا شرع لزوار القبور السلام على الموتى؟
الجواب
الجواب يحتاج إلى رسالة، ولكن نوجز مراعين الإفادة، النبي ﷺ لا شك عندنا في موته، وقبل أن نتحدث عن حياته بعد الموت نقرر أولًا: هل مات أم لا، فقد قال تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر:٣٠] وقال: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران:١٤٤] فقد مات ﷺ، كما في صريح القرآن والسنة وإجماع الأمة، ومن زعم أنه ﷺ لم يمت فهو كافر، إذًا فقد مات ﷺ، أي: مات الميتة التي كتبها الله على من عاش هذه الحياة الدنيا التي نحياها نحن اليوم، والتي سنموت كما مات ﷺ، فقد كتب الله تعالى الموت على جميع النفوس، الصالح منها والطالح.
ثم صح عنه ﷺ أنه بعد موته يرد السلام على من يصلي ويسلم عليه، إذًا هناك شيء آخر، بل هنالك آية في كتاب الله ﷿، تقول: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران:١٦٩] إذًا الشهداء أحياء والأنبياء أحياء، فأي الحياتين تكون أكمل وأعظم؟ حياة الأنبياء بلا شك هي أعظم من حياة الشهداء، ونقول في الموت: ميتة الحياة الدنيوية، والحياة الأخرى لا نعلم كنهها ولا حقيقتها إلا لما يأتينا من نص فنؤمن به، ولا نتردد في ذلك، ولا نعارضه بعقولنا وآرائنا، فإذًا هو ﷺ، في حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ولا تعارض بين الأحاديث ولله الحمد في ذلك.
أما كونه يرد السلام على من يسلم عليه ﷺ، فيكون معنى ذلك أن روحه ما تزال مترددة، نقول ما دمنا قررنا أنها حياة برزخية لا نعرف كنهها، فكيف نجادل فيما لا نعرف؟ فهل ترجع روحه وترد السلام، ثم تذهب ثم ترجع؟ نحن لا نعرف نوع الحياة أصلًا لكن الواجب علينا فيها هو أن نسلم ونؤمن بهذه الأحاديث ولا نبحث ولا نخوض فيما وراء ذلك، هذا هو مقتضى الإيمان به وبكل ما يخبر عنه ﷺ.
وأما سماعه ﷺ لمن يسلم عليه عند قبره، أو غيره من الموتى، فهذا أيضًا لا يتعارض مع ذلك، فالمسلم إذا سلم وأسمع الله ﷾ الموتى ذلك فهذا نفس الشيء، وهو أنه راجع إلى نوع الحياة البرزخية التي يحيونها، ولولا أن رسول الله ﷺ شرع لنا ذلك ما فعلناه، ولما زرنا القبور، ولما سلمنا على الموتى، فما دمنا نسير في حدود ما شرع، وما دمنا متبعين لما جاء به ﷺ، فلن نضل ولن نشقى.
أما إذا قيل: إنه ما دام حيًا إذًا ندعوه، ونستغيث به، ونتوسل به، فنقول: لا، هذا خطأ، فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم، كانوا يتوسلون بدعائه ﷺ، واستسقوا بدعائه في حياته، ولما مات استسقوا بعمه العباس، فالنبي ﷺ موجود ولكن لم يقولوا أنه حي، وعرفوا أن هذا العمل يكون من الأحياء وأنه ﷺ بموته لا تلحقه الأحكام التي كانت له في حياته ولكن في حدود ما ورد فقط، والنبي ﷺ في الحديث الصحيح أمر عمر أن يطلب من أويس القرني وهو تابعي، أن يستغفر له، فلماذا يطللب منه وهو من التابعين ولا يطلب ذلك من النبي ﷺ؟ نقول: هكذا شرع رسول الله ﷺ، بعد وفاته لا نتقرب ولا نعمل أي عمل إلا بما ورد عنه ﷺ فقط، والكلام في هذا كثير، وحسبنا ذلك.

6 / 37